هل يمكن أن يظهر من السلطة وجه إصلاحي ليبرالي حقيقي على طريقة غورباتشاف في الجزائر؟ سؤال طرحته صحيفة « ذي إيكونوميست » البريطانية في مقال تحت عنوان « نظام فاسد أنقذه الغاز لحد الساعة ». ا
« ذي إيكونوميست » ليست الصحيفة الأجنبية الأولى المهتمة بتحليل طبيعة النظام الجزائري وكيفية إصلاحه في الفترة الأخيرة. وقد سبقتها « لوموند » الفرنسية لتخصيص ملف كامل لمناضلي حقوق الانسان الجزائريين الذين إختاروا اللجوء السياسي في فرنسا وبلجيكا
ولم يختلف الوصف الذي قدمته الصحيفة البريطانية للنظام الجزائري، عن ذلك المتداول داخليا أو في الأوساط الخارجية. أي « نظام غامض يتميز بفساد تسييره وغلق الأفق أمام الشباب الجزائري وحساسيته إتجاه رؤوس الأموال الأجنبية… » ولم تختلف « ذي إيكونوميست » عن القراءات القائلة أن الأزمة الصحية العالمية وحرب أوكرانيا هما العاملان الأساسيان اللذان ساعدا النظام الجزائري على البقاء رغم الحراك الشعبي السلمي
يظل غورباتشاف الفائز بجائزة نوبل للسلام، النموذج الأمثل للرؤساء الاصلاحيين، بالنسبة للعواصم الغربية. فالرجل أنهى عهد الحرب الباردة وباشر إنفتاحا سياسيا وثقافيا وإقتصاديا، على المستوى الداخلي للاتحاد السوفياتي. وإنتهت هذه الاصلاحات بزوال الاتحاد السوفياتي السابق، بينما دخلت روسيا ما بعد الحرب الباردة في نظام جديد أصبح يصطلح عليه عند السياسيين بنظام » المافيا الروسية. أي نظام تحكم فيه أقلية غنية تستحوذ على ثروات البلاد وفرضت قبضة حديدية على الحريات السياسية والثقافية في روسيا. وخلصت « ذي إيكونوميست » في تحليلها للنظام السياسي الجزائري، إلى أن الرئيس عبد المجيد تبون فشل في لعب دور الرجل « الاصلاحي الليبرالي » وقالت عنه « يكاد يكون رئيسا صوريا ». لكنها لم تقل أن الجزائر دخلت في النموذج الروسي قبل روسيا
هذا النموذج مرت به الجزائر تقريبا منذ أكتوبر 1988 إلى اليوم، مع فارق واحد هو أن الجزائر لم تتفتت مثل الاتحاد السوفياتي السابق. وإن دخل غورباتشاف التاريخ العالمي من بابه الواسع، فشعبيته على المستوى الداخلي ضعيفة جدا، حيث لم يحقق أكثر من 0,5 المائة في الانتخابات الرئاسية التي ترشح لها عام 1996. ومثل غورباتاشف، فإن الرئيس الشادلي بن جديد الذي باشر الاصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية في آن واحد في الجزائر، كان ضعيف الشعبية. وعليه لم يصمد أمام الانسداد السياسي الذي دخلت فيه البلاد بفعل صعود الفيس كأكبر قوة سياسية في البلاد، فإستقال الشادلي وترك الجزائر في أزمة أمنية لم تخرج بعد من تداعياتها
قد تكون العواصم الغربية بصدد البحث عن غورباتشاف جزائري، وهذا ما جعلها تراهن على بقاء الوضع على حاله في الجزائر، لعل ذلك يضمن لها المصالح الجيوسياسية التي يمثلها الموقع الجزائري في جنوب المتوسط وشمال إفريقيا. أما ملايين الجزائريين الذين خرجوا في مسيرات أسبوعية لثلاث سنوات كاملة، فكان طموحه أكبر من إعادة إنتاج سيناريو الشادلي بن جديد في نهاية الثمانينات وكان طموحه أكبر من إعادة إنتاج سيناريو بوتفليقة وشقيقه سعيد، بل طموح الشعب الجزائري ظهر في الشعارات وصور رموز ثورته التحريرية التي كان يرفعها كل جمعة
محمد إ