علي آيت جودي، نقابي سابقا وعضو الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان منذ عام 1989 ، وناشط بالمجتمع المدني والسياسي. هو الآن رئيس المنظمة غير الحكومية « إجابة دولية » (ريبوست أنترناسيونال) التي تم إنشاؤها في عام 2017 . ويرسم علي آيت جودي في هذا الحوار تقييماً حول وضع الحريات في الجزائر وكذا نشاط منظمته للدفاع عن المعتقلين
أحرت الحوار: ليندة عبو
بعد 34 عاما على أحداث أكتوبر 1988، كيف تقيمون الوضع في الجزائر؟
الجواب على هذا السؤال يتطلب العودة إلى تلك الفطرة لتسليط الضوء على الرهانات آنذاك وعلاقاتها مع الحاضر. فعلا بعد 30 عامًا و الجزائر في الحزب الواحد، ثم نزل الشباب الجزائري في غضون ساعات قليلة إلى شوارع الجزائر العاصمة ومدن أخرى للمطالبة بالانفتاح الديمقراطي وسيادة القانون كما كانوا يطمحون إليه
مظاهرات أكتوبر 1988، كانت للأسف مغمورة في الدماء: قتل الجيش الجزائري أكثر من 500 شاب. هذا الجيش الذي أعتبر نفسه وريثاً للجيش التحرير الوطني الذي حرر البلاد ، أطلق النار على شعبه. و هذا الحدث المؤلم في التاريخ الجزائري والعديد من الأحداث الأخرى، لم تسفر عن تحقيقات تؤدي إلى أحكام وإدانات. و لم يتم تحديد المسؤوليات ولم يشعر المسئولون بالقلق الى يومنا هذا
لكن هذا الحدث ، 5 أكتوبر، الذي لا يزال محفورًا إلى الأبد في ذاكرتنا ، سمح بالانفتاح الديمقراطي وسمح بالتعددية السياسية وفاصلا ديمقراطيا استثنائيًا محض في الحياة السياسية الجزائرية. لكن الاقتراع أدى إلى انتخاب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، هذا ما سبب انقسامات حادة في المجتمع الجزائري المستهدف بشكل خاص من طرف ال »فيس »، بخطاب الكراهية والتهديدات الذي أغرق البلاد في الرعب. عقب ذلك توقفت العملية الانتخابية مما أدى إلى إعادة خلط الأوراق كلية في البلاد، وعادت السلطة إلى الإدارة العسكرية وإعلان حالة الطوارئ، مقابل عنف الجماعات المسلحة التي أدخلت البلاد في دوامة الترهيب.
هل يمكن أن نعتبر اليوم أن المكاسب التي حققتها انتفاضة أكتوبر 1988 قد ضاعت؟
حاليا الأحزاب السياسية مهددة في وجودها و قادة الأحزاب مهددين بالسجن، وبعضهم يخضع للراقبة القضائية. المظاهرات ممنوعة ، الفضاء النقابي يكاد أن يكون منعدما ، حرية التعبير وكل الحريات الفردية والجماعية معرضة للخطر بشكل متزايد. وتتدخل السلطات في اجتماعات الأحزاب وتهدد وتعتقل. باختصار، الحياة السياسية وحياة الأحزاب السياسية متوقفة. ولا يجود اليوم في الجزائر ديمقراطية جديرة بالذكر. يعني يكفي أن ننوي تنظيم مقهى أدبي ، أو مناقشات أو مؤتمرات ، أو نشر مقال أو منشور على الشبكات الاجتماعية قد يؤدي أي شخص إلى السجن. لكن رغم هذا المكتسبات طبعا لم تضع. يواصل الجزائريون النضال والحرص على المكتسبات والمُثُل العليا لأحداث 88 حتى ولو كان هذا على حساب حريتهم أو حياتهم.
اليوم ، يقبع العديد من سجناء الرأي في السجن دون محاكمة. على ماذا تؤشر هذه الوضعية برأيكم؟
يعكس عدد المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي على الاندفاع المتهور لنظام لم يعد قادرًا على إدارة البلاد والتغيرات في المجتمع الجزائري والعالم. الانخفاضات في عائدات النفط والغاز التي أظهرت أثناء الجائحة وانتشار الوباء في الجزائريوضح عجز هذا النظام في إدارته الفاسدة ودون منظور. إن والوجود في السجن لكل هؤلاء الأشخاص المسالمين، المسئولين السياسيين والملتزمين بالقضايا النبيلة، ما هي إلا علامة خوف السلطات من هؤلاء النشطاء والحركيين والصحفيين والمواطنين العاديين. سجنهم يسعى إلى ترهيب بقية السكان وإسكات الأصوات التي قد تتحدث وتؤثر على بقية السكان من خلال رسائلهم
لقد أثبت الحراك قدرته على التوحد والإتحاد حول نموذج ديمقراطي سلمي ، رغم العنف ضد المتظاهرين والإجراءات القانونية ضدهم وكذا الدعاوى القضائية التي استهدفت ناشطين أو صحفيين آخرين. والسلطة أكثر خوفاً من هؤلاء المتظاهرين السلميين الذين يسجلون نضالهم بالديمقراطية وبالوسائل السلمية، بينما اللجوء إلى العنف والشغب يعطيها المبرر لللجوء إلى القمع. لقد تعلم الجزائريون دروسًا من أعمال العنف السابقة، وهم لم ينسوا التكلفة البشرية المترتبة عليها ولا يرغبون في إعادة إنتاجها.
السلطة تشوه سمعتها في عيون الجزائريين المتضامنين مع المعتقلين بقلوبهم وأفعالهم. تشوه أيضا سمعة العدالة الجزائرية التي تؤكد أنها تحت أوامر السلطة. هذه السلطة فقدت مصداقيتها في عيون مواطنيها الذين يذهبون إلى المنفى ويغادرون البلاد بوسائل ضئيلة وعلى قوارب التي تخاطر بالجنوح في البحر الأبيض المتوسط في أي وقت، حينما أعطى الحراك الأمل للشباب ولم يسجل أي مغادرة عبر البحر. إن الجزائر تشوه سمعتها كأمة في نظر المجتمع الدولي. إن التصنيفات الدولية لحرية الصحافة والحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان تضعها في مرتبة بعيدة جدًا عن الدول المرجعية.
يبدو أن الحرب في أوكرانيا وأزمة الهيدروكربون ، التي دبرها بوتين ، بمثابة هبة من السماء للنظام الحالي. ارتفاع أسعار النفط والغاز سيساعد إنقاذ خزائن الدولة في الوقت الحالي. لكن هذه الظروف و هذا التخمين لا يمكن أن تشكل سياسة في حد ذاتها ورهانًا على المستقبل. هذا الوضع يخدم السلطة اليوم، لكنه لا يمكن أن يكون سياسة جديرة بهذا الاسم. غدا كل شيء يمكن أن يتغير، وكيف سيواجه أزمة مالية اخرى؟ أو في حالة حدوث جائحة آخر، ما هي وسائل إدارته؟ هل سيستمر القادة في البحث عن العلاج في الخارج ويعلنون أن المستشفيات الجزائرية هي الأفضل في إفريقيا؟ ما هي المصداقية التي لا تزال تتمتع بها مع المواطنين؟
الديمقراطية هي النظام الوحيد الذي يعطينا الحق في الرأي والحق في إنتقاد الحكومات. و هو الوحيد الذي يمكن أن يضمن إدارة عادلة وغير فاسدة لممتلكات الجزائريين. إن وجود هذا العدد الكبير من سجناء الرأي في السجن هو مؤشر على رفض السلطة إدارة الثروة الهائلة من الهيدروكربونات بالطريقة الأكثر نزاهة ووضوحًا وشفافية.
ما هي الاعمال الفعالة التي اتخذتها منظمتكم لدعم المعتقلين؟
منظمة « إجابة دولية » أو « ريبوست أنترناسيونال » هي منظمة غير حكومية تعمل من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان. معركتنا جزء من منظور سلمي وغير متحيز. نحن ندعم كل سجناء الرأي بشرط ألا يتحولوا إلى العنف. كما نناضل من أجل احترام الظروف المعيشية في السجون وتحترم كرامة الإنسان
التزامنا هو التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والإبلاغ عنها والتنديد بها. ينطوي نهجنا في مجال الدعوة على صياغة تقارير موجهة على سبيل الأولوية إلى الهيئات الدولية المعنية بضمان احترام حقوق الإنسان بما فيها الأمم المتحدة وهيئات الاتحاد الأوروبي. تقاريرنا علنية و على أساس منتظم
بالإضافة إلى ذلك، نشارك في المظاهرات والاعتصام مع المنظمات غير الحكومية والجمعيات الأخرى التي نشارك معها كفاحنا السلمي للدفاع عن حقوق الإنسان. نوقع إعلانات مع شركائنا لنفس الهدف: التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان.
في أقل من خمس سنوات من وجودنا، أصدرنا ما لا يقل عن 23 تقريرًا تندد بانتهاكات حقوق الإنسان وحريات الصحافة والحريات الديمقراطية
أينتم في هذه العملية بخصوص معتقلي الرأي في الجزائر؟
لقد قدمنا تقريرًا إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة الذي كان من المقرر أن يزور الجزائر ولكن تم تأجيل الزيارة من قبل الجزائر للمرة الثامنة. كان علينا إخباره. نحن نواصل عملنا للإبلاغ عن ظروف السجن الصعبة على السجناء والأحكام الثقيلة التي لا تطاق. وما زلنا ندعو الهيئات الدولية إلى اتخاذ موقف ضد هذه التجاوزات وفرض عقوبات على الحكومة الجزائرية.
نشعر أن هناك صمتًا دوليًا بشأن حالة حقوق الإنسان في الجزائر. ما رأيكم في ذلك ؟
لقد كان للوباء آثار ضارة للغاية على الحراك وصحة الجزائريين. شهدت الجزائر عددًا كبيرًا من الوفيات – في الحقيقة العدد أعلى مقارنتا مع الأرقام الرسمية – ولا تزال تعاني من عواقب الوباء. عدد الوفيات وعدم وجود لقاحات خلال الموجات الأولى لم تسهل الأمور.والوباء أضعف جميع البلدان وتأثرت الصحة الاقتصادية. ثم جاءت حرب أوكرانيا لتضيف عواقبها إلى العواقب الكارثية للوباء والأزمة الاقتصادية. فالصمت إذن ليس صمت اللامبالاة
من ناحية أخرى ، يمكننا القول أن إنتاج المحروقات اليوم يضع الجزائر في موقع الشريك الاقتصادي المتميز في ظل حرمان الأوروبيين من الإنتاج الأوكراني والروسي من قبل بوتين. إنه صمت ظرفي تمليه الاحتياجات الاقتصادية. وهذا الصمت هو نفسه بالنسبة لمصر وليبيا على سبيل المثال، حتى قبل أزمة كوفيد 19
في الآونة الأخيرة، أعد مرة أخرى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيون طلبا للكونجرس على ضرورة فرض إجراءات ضد أي شخص متواطئ في نظام بوتين. و طُلبت عقوبات ضد الجزائر، التي تحافظ على شراكة اقتصادية مميزة مع روسيا من خلال شراء أسلحة روسية بما في ذلك طائرة مقاتلة لم تسوقها بعد روسيا من قبل. و الجزائر ليست محصنة ضد دفع تحيزها لروسيا