تعيش تونس أحداثا سياسية متسارعة منذ يوم أمس الأحد إلى الاثنين، بعد احتجاجات ومظاهرات نظّمها تونسيون بمُدنٍ مختلفة، طالبوا فيها بحلّ البرلمان وتغيير نظام الحكم وإسقاط الحكومة، مظاهراتٌ عرفت أيضا اقتحام مكاتب حركة النهضة وتخريبها عتعبيرٍ من التونسيين عن غضبهم للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية.
لم تمر ساعاتٌ على مظاهرات التونسيين، حتى يُعلن الرئيس قيس سعيد العمل بالفصل 80 من الدستور، حيث قرّر اعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد عمل واختصاصات المجلس النيابي لمدّة 30 يوما، إلى جانب رفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضاء مجلس نواب الشعب وتوليه السلطة التنفيذية لمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة ويعيّنه رئيس الجمهورية.
أحداث خلّفت انقساماتٍ بين الطبقة السياسية وردود أفعال متباينة في تونس، بين من أيّدها ومن اعتبرها انقلابا على الشرعية.
الغنوشي والمزوقي: الرئيس يقود انقلابا على الشرعية
وعن آخر التطوّرات في البلد، اعتصم رئيس البرلمان راشد الغنوشي أمام محيط مقر مجلس نواب الشعب، منذ فجر اليوم الاثنين بعد منعه من قبل وحدات الجيش الوطني المتمركزة بالمكان من دخول قصر باردو.
وعقب قرارات الرئيس التونسي، صرّح راشد الغنوشي بأنّ « هاته القرارات ليس لها اسم سوى أنها انقلاب عن الشرعية والدستور ومجلس نواب الشعب والحكومة ومؤسسات المجتمع وتجميد للدستور ».
في حين اعتبر رئيس الجمهورية الأسبق المنصف المرزوقي ، أن ما قام به رئيس الجمهورية قيس سعيد انقلاب واضح يدينه بشدة، وقال »هذا الرجل قام بانقلاب وحنث بوعده وأعطى لنفسه كل السلطات ».
قيس سعيّد يعفي وزيري الدّفاع والعدل
كذلك أصدر رئيس الجمهورية قيس سعيّد اليوم الإثنين أمرا رئاسيا قرّر من خلاله إعفاء هشام مشيشي، رئيس الحكومة والمكلف بإدارة شؤون وزارة الداخلية، وإبراهيم البرتاجي وزير الدفاع الوطني، وحسناء بن سليمان، الوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة.
كما تقرّر، بمقتضى ذات الأمر، أن يتولى الكتاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية برئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد وأعضاء جدد فيها.
مجلس النواب: قرارات سعيد باطلة
واجتمع مكتب مجلس نواب الشعب صباح اليوم حضوريا في رحاب مجلس نواب الشعب وعن بعد برئاسة راشد الغنوشي، أين أكّد إدانته الشديدة لقرارات الرئيس قيس سعيد باعتبارها « باطلة و تنطوى علي خرق جسيم للدستور و انحراف شديد في الاجتهاد في تفعيل الفصل 80 منه، ومحاولة تحيل وتمويه مفضوحة بادعاء الباطل حصوله علي موافقة رئيس مجلس نواب الشعب علي هذه التدابير ».
ودعا مكتب مجلس النواب في بيانه إلى انحياز الجيش التونسي الوطني والقواتنا الامنية لصفوف الشعب التونسي، مُناشدًا النواب إلى الدفاع عن قيم الجمهورية وعلوية الدستور وخيار الشعب الحر وفق انتخابات حرة ونزيهة والتمسك بتونس الجديدة الحرة والديموقراطية.
الاتحاد العام للشغل يتساءل عن الضمانات
في بيان له، أكد المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل حرصه على ضرورة التمسك بالشرعية الدستورية في أي إجراء يتخذ في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد لتأمين احترام الدستور واستمرار المسار الديمقراطي وإعادة الاستقرار للبلاد واسترجاع طاقتها في البناء والتقدم.
وشدّد الاتحاد على وجوب مرافقة التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية بجملة من الضمانات الدستورية وفي مقدّمتها ضرورة ضبط أهداف التدابير الاستثنائية بعيدا عن التوسع والاجتهاد والمركزة المفرطة وتحديد مدّة تطبيق الإجراءات الاستثنائية والإسراع بإنهائها حتّى لا تتحوّل إلى إجراء دائم والعودة في الآجال إلى السير العادي وإلى مؤسّسات الدولة وكذلك ضمان احترام الحقوق والحريات بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية دون تجزئة مع الاحتكام إلى الآليات الديمقراطية والتشاركية في أي تغيير سياسي في إطار خارطة طريق تشاركية واضحة تسطر الأهداف والوسائل والرزنامة وتطمئن الشعب وتبدّد المخاوف.
ردود أفعال الأحزاب السياسية التونسية
عبّرت كتلة « قلب تونس » عن رفضها لقرارات الرئيس سعيد، واعتبرتها « خرق جسيم للدستور »، داعيةَ الحكومة إلى ممارسة مهامها الشرعية وتفادي إحداث فراغ مؤسساتي ».
قال الحزب الجمهوري إنّه يرفض قرارات قيس سعيد، وتُعتبر خروج عن النص الدستوري وانقلاب صريح عليه وعودة الى الحكم الفردي المطلق وحنثا باليمين التي أداها رئيس الجمهورية بالسهر على إحترام الدستور.
من جهته اعتبر حزب التكتل أنّ حكومة هشام المشيشي مسؤولة عن تأزم الأوضاع وتنامي الاحتقان، داعيا رئيس الدولة قيس سعيد إلى الانخراط في حوار وطني شامل كفيل بالعودة إلى مسار ديمقراطي ومؤسساتي يحترم دستور الجمهورية.
أمّا حزب العمال فقد أكّد أنّ ما أقدم عليه رئيس الدولة « هو من الناحية القانونية خرق واضح للدستور ولأحكام الفصل 80 الذي اعتمده، ومن الناحية السياسية فإنّ الإجراءات استثنائية معادية للديمقراطية تجسّم مسعى قيس سعيد منذ مدة إلى احتكار كل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، بين يديه وتدشن مسار انقلاب باتجاه إعادة إرساء نظام الحكم الفردي المطلق من جديد ».
وأكدت حركة الشعب مساندتها للقرارات التي أصدرها رئيس الجمهورية واعتبرتها « طريقا لتصحيح مسارالثورة الذي انتهكته القوى المضادة لها وعلى رأسها حركة النهضة.
في حين اعتبر التيار الديمقراطي أنّ ‘شروط تفعيل الفصل 80 غير متوفرة والخروج عن الدستور سيدفع تونس نحو المجهول »، مُضيفا: « لا أعتقد أن لرئيس الجمهورية رغبة في الانقلاب على الدستور لذلك يجب أن تجتمع مختلف الحساسيات السياسية لإيجاد حل يجنب البلاد الفوضى، وإذا خرجنا من الدستور ستحل الفوضى ».
وقال حزب حركة الشعب الوحدوي الناصري، إن قرارات الرئيس قيس سعيد، هي تصحيح لمسار الثورة، وإن الرئيس لم يخرج بقراراته عن الدستور بل تصرف وفق ما تمليه عليه مسؤوليته، في إطار القانون والدستور، حفظا لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها وضمان السير العادي لدواليب الدولة. »
ومن جانبه، أعلن حزب التحالف من أجل تونس مساندته لكل القرارات والإجراءات التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد، معربًا عن ثقته المطلقة في القوات العسكرية والأمنية وفي الإدارة التونسية وكل أجهزة ومؤسسات الدولة لتنفيذها، بما يحقق السلم الاجتماعي واستقرار البلاد وأمن المواطنين.
ردود أفعال دولية
دعت وزارة خارجية قطر أطراف « الأزمة التونسية » إلى تغليب صوت الحكمة وتجنب التصعيد، مُعربةً عن أملها في أن تنتهج الأطراف التونسية طريق الحوار لتجاوز الأزمة.
وأكّد رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب في تغريدة على حسابه تويتر أن ما يجري في تونس يبعث بالقلق وأن كل قرار يمنع عمل البرلمان والنواب المنتخبين يعتبر انقلابا على النظام الدستوري.
بينما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية ماريا أديبهر، إن برلين قلقة من الاضطرابات السياسية المتصاعدة في تونس وتدعو إلى إعادة البلاد إلى حالة النظام القانوني الدستوري، ومع ذلك ترى أن ما حدث ليس « انقلابا ».
في حين دعا الاتحاد الأوروبي الأطراف التونسية المختلفة إلى الحفاظ على الهدوء وتجنب العنف والحفاظ على استقرار البلاد.