برز التلفزيون الجزائري مجددا كحلقة ضعيفة في تغطية الأحداث الكبرى، خاصة الأحداث الرياضية التي يظهر فيها الفرق واضحا بين أداء تلفزيونا العمومي، لسان حال ومقدم الصورة الرسمية عن الجزائر، وأداء التلفزيونات العالمية.
أول حدث أظهر الأزمة الكبيرة التي دخل فيها التلفزيون الجزائري، كان بمناسبة عةدة لمنتخب الوطني للمحليين من قطر حاملا كأس العالم . .العربية. حينها وجد التلفزيون الجزائري منافسة شديدة من مصورين هواة، فقط لأن هؤلاء يستعملون هواتف ذات جودة عالية أما مقارنة الصور التي قدمها التلفزيون الجزائري لمسار المنتخب المنتخب من مطار الجزائر الدولي إلى وسط العاصمة ، بتلك التي قدمتها قنوات « بي إن سبورت « ، فذلك أمر يعد بمثابة إهانة لتلفزيون الجزائري الذي يدفع رسوما مخصصة لتمويله.
الجزائريون وجدوا أنفسهم وكأنهم يتابعون حدثا وقع في القرن الماضي، بصور تميل إلى الأبيض والأسود أكثر من الصور الرقمية التي يستطيع أي مواطن إلتقاطها بهاتفه النقال. ثم جاء حدث ثان لم يكتف فيه التلفزيون الجزائري بحرمان الجزائريين من أن يعيشوا لحظات تاريخية بكل جوارحهم بمجرد متابعة صوره، كما يحدث اليوم مع القنوات التلفزيونية العالمية التي إجتهدت كثيرا في تقريب لصورة من لواقع. ويتعلق الأمر هذه المرة بمباراة مصيرية للمنتخب الوطني، حيث ضيع التأهل لمونديال قطر 2022. وغياب التلفزيون الجزائري أو عدم تمكنه من تقديم صورة جيدة، لم يؤثر على لجمهور فقط، بل أثر على نتيجة المباراة كذلكن مادام التقنيون حملوه مسؤولية عدم إشتغال تقنية ال »فار » لاظهار عدم شرعية الهدف الذي تلقاه المنتخب الوطني وإظهار أخطاء تحكيمية أخرى كثيرة.
وبمناسبة ثالث حدث رياضي دولي تعيشه الجزائر خلال لسنة الجارية، حاول التلفزيون الجزائري الاستعانة بالخبرة الأجنبية لتجاوز نقائصه، وقد ظهرت المسة الأجنبية في حفل إفتاح ألعاب البحر الأبيض المتوسط. لكن التلفزيون الجزائري شوش على تلك اللمسة بأخطاء بدائية تمثلت في الصوت وفي وفي إختيار زوايا التصوير… وزادت التغطية التي خصصها لمختلف المنافسات التي تجري في هذه الألعاب، من عميق أزمة التلفزيون الجزائري، لا يجد لمشاهد أحيانا أي قناة من القنوات العمومية، قد وجهت شاشتها نحو وهران وما يجري في ملرافقها الياضية هذه الأيام. كأن مهمة التلفزيون الجزائري إنتهت عند حفل لافتتاح، ليعود إلى عاداته بمجرد إنتهاء الحفل وبداية الألعاب
الممتبعون لبرامج التلفزيون الجزائري طيلة عقود الاستقلال، يتذكرون أن هذا الأخير، بالرغم من غياب حرية التعبير فيه، لأساب سياسية، وبالرغم من بعده عن الواقع الاجتماعي والثقافي، لأسباب سياسية كذلك، فقد كان دائما في مستوى الأحداث الكبرى على المستوى التقني. إذ مازالت صور كاس إفريقيا للأمم التي جرت سنة 1990 بالجزائر من أحسن الصور التي شهدتها ال »كان » في تاريخها، ومازالت صور حرب الخليج والمنافسة التي فرضها التلفزيون الجزائري للقنوات الأمريكية في نقل أخبار الحرب من أرض العراق، راسخة في الأذهان وفي تاريخ الاعلام السمعي البصري… ما لذي تغير إذن في التلفزيون الجزائري؟
من هم مؤسسو التلفزيون الجزائري؟
هناك من حمل السلاح لتحرير الجزائر وهناك من حمل الكاميرا لتحرير الجزائر » بهذه العبارة لخص لنا أحد من إشتغلوا طويلا في »
التلفزيون الجزائري، التطور الحاصل في هذه لمؤسسة الاستراتيجية بالنسبة لنظام الحكم القائم في الجزائر. ولأن قيادة الثورة التحريرية كانت تحمل رؤية مستقبلية ولم تكتفي بإعلان الحرب على الاستعمار بالسلاح، فقد شرعت مبكرا في تكوين إطارات ما بعد الاستقلال وارسلت طلبة في كل التخصصات للتكوين سواء في البلدان العربية أو أوربا الشرقية. ولم تغفل قيادة الثورة عن تكوين مخرجين ومصورين وصحفيين مثلما كونت أطباءومهندسين وضباط عسكريين.
وإستمرت نفس الذهنية في السبعينات والثمانيات من القرن الماضي، لتتوقف سياسة التكوين في التلفزيون في التسعينات بسبب الأزمة المالية التي مرت بها الخزينة العمومية. وإن كان هذا السبب غير كافي لشرح ما وقع في التلفزيون، كون هذا الأخير ظل يستفيد من تمويل مباشر من جيوب المواطنين عن طريق الرسوم التي تفرض عليهم في فواتير الغاز والكهرباء. وبعملية حسابية بسيطة يمكننا أن نفق عن حجم التمويل الذي يستفيد منه التلفزيون مباشرة من مساهمة لمواطنين، دون حساب المداخيل الاشهارية ودعم الدولة.
من بين الأرقام التي نجدها في أرشيف وكالة الأنباء الجزائرية، أن الحضيرة الوطنية للسكن بلغت سنة 2018 أكثر من 9 ملاين وست مائة ألف وحدة سكنية. وإذا إعتبرنا كل وحدة سكنية مزودة بجهاز حساب الطاقة الكهربائية، وأن التلفزيون يأخذ 50 دينار عن كل فاتورة كهربائية، نجد أن هذا الأخير يستفيد من ميزانية لا تقل عن خمسة مائة مليون دينار فصلية ، وملياري دينار سنوية من مساهمة المواطنين فقط.
ولم يتغير هذا المبلغ منذ عقود، حيث ظلت قيمة الرسم المخصص لتمويل التلفزيون في فاتورة الكهرباء عند مستوى 50 دينارا، ما دفع المدير السابق للتلفزيون، توفيق خلادي، للمطالبة برفعه. وهو محق في ئلك كون قيمة ملياري دينار في الثمانينات والتسعينات تختلف عن قيمتها في عهد توفيق خلادي على رأس التلفزيون وتختلف عن يمتها أكثر اليوم. لكن ماذا يقدمه التلفزيون العمومي للجمهور الجزائري نظير هذا المبلغ؟ وهل يحق له أن يطلع على أساليب تسيير التلفزيون وأين تصرف أمواله؟
إلى حد كتابة هذه الأسطر، لم يسبق أن قدم أي مدير مر على التلفزيون الحساب عن حصيلة تسييره لمالية أو الأدبية. بل ظل هؤلاء يتقاضون رواتبهم من التلفزيون حتى بعد أقالتهم، مثلما ظل العديد من الصحفيين يتقاضون رواتبهم من التلفزيون، دون مقابل من العمل. حيث تفرغ هؤلاء للعمل في مؤسات خاصة أنشأوها، أو في القنوات التلفزيونية الخاصة أو في المؤسسات العمومية والخاصة المختلفة.
ثلاثون سنة دون تكوين تقنيين في التلفزيون
يشير الزملاء العاملون في التلفزيون مثلا، إلى عدم تكوين مخرجين منذ أزيد من 30 سنة، وينطبق الأمر كذلك على كل المهن المتعلقة بالنشاط السمعي البصري. واكثر من ذلك تمت إحالة العديد من الاطارات الذين تم تكوينهم في الخارجن على التقاعد المسبق.
من بين هؤلاء، المخرج بلقاسم وحدي مخرج حصة « الشرطي المخفي » وأعمال تلفزيونية أخرى كثيرة، قبل أن تطلق إدارة التلفزيون مخطط يسمح لمن يريد أن يتقاعد مسبقا مقابل إطلاق مشروع لحاسبه الخاص.
بلقاسم مازالت شركته للانتاج السمعي البصري سارية، حسبما أكده ل »راديو أم » في غتصال هاتفي. لكنه يعاني من شبه بطالة منذ سنوات ويقتات من منحة تقاعد تعادل خمس عشرة سنة عمل. ورغم فقر الانتاج السمعي البصري في الجزائر ولا بلقاسم لا يجد من يمول له مشاريعه ولا من يشتري منتوجاته، في غياب تنظيم لقطاع السمعي البصري، ليصبح القطاع تحت سيطرة شبكات مالية أجنبية ذات توجه إيديولوجي مناهض تقريبا للكفاءات الجزائرية
م. إيوانوغن