الإستفتاء على الدستور يعيدُ التساؤلات حول تدخّل الجيش في السياسة - Radio M

Radio M

الإستفتاء على الدستور يعيدُ التساؤلات حول تدخّل الجيش في السياسة

Radio M | 28/10/20 11:10

الإستفتاء على الدستور يعيدُ التساؤلات حول تدخّل الجيش في السياسة

صنعت خطابات وتصريحات قيادة أركان الجيش الشعبي الوطني، حول الإستفتاء الشعبي على مشروع الدستور منذ بداية الحملة الانتخابية، جدلا واسعاً وأعادت التساؤلات حول تدخّل مؤسسة الجيش في الشؤون السياسية للبلاد.

وتعدّدت القراءات حول خطابات الفريق السعيد شنقريحة في مختلف النواحي العسكرية وتكراره الخوض في قضية الإستفتاء الشعبي، بين من فسّرها على أنّ  » الجيش يعتبر نفسه معنياً بكلّ القضايا السياسية »، ومن يرى أنّها ردٌّ « لأطراف خارجية تُشكّك في العلاقة بين مؤسستي الجيش والرئاسة »، بينما يرى آخرون أنّ هذه الخطابات تؤكّد « عدم حلِّ الانتخابات الرئاسية الأخيرة للمشكل السياسي في الجزائر ».

كرونولوجيا خطابات الفريق شنقريحة حول الإستفتاء على الدستور ..

كرونولوجياً، شرع قائد الأركان خطاباته حول الاستفتاء على الدستور مُباشرة بعد انطلاق الحملة الانتخابية:

10 أكتوبر: ألقى الفريق شنقريحة خطاباً من مقر وزارة الدفاع أمام رئيس الجمهورية وزير الدفاع عبد المجيد تبون قال فيه إنّ  » الموعد المقبل للاستفتاء الشعبي على مشروع تعديل الدستور لن يكون كَسَائِر الأيام ».

17 أكتوبر: من ولاية البليدة أكّد الفريق أنّ « الشعب الجزائري الأصيل، سيسطر بمناسبة الاستفتاء ملحمة عظيمة في سبيل الوطن ».

18 أكتوبر: من ولاية تمنراست قال قائد الأركان إنّ « الاستفتاء الشعبي المقبل يستحق من الجيش الوطني الشعبي، بأن يكون في مستوى المسؤولية الدستورية الموضوعة على عاتقه ».

20 أكتوبر: من ولاية بشار ألقى الفريق خطاباً قال فيه: « الإستفتاء يعدّ مرحلة هامة، سيواصل الشعب الجزائري قطعها بكل عزيمة وإصرار، على درب تشييد الجزائر الجديدة، وتحقيق ازدهارها الاقتصادي ونهضتها الاجتماعية والثقافية ».

21 أكتوبر: من ولاية قسنطينة قائد أركان الجيش يؤكّد أنّ « واجب الوطنيين المخلصين اليوم وفي طليعتهم الجيش الوطني الشعبي، هو المساهمة الفاعلة في إنجاح الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور ».

22 أكتوبر: قال بمقر قيادة القوات البرية إنّ  » الشعب الأبي سيخرج بقوة يوم الفاتح من نوفمبر القادم، للمشاركة في الاستفتاء ».

24 أكتوبر: بوهران أكّد أنّ « الأولوية التي تفرض نفسها في هذه المرحلة الحاسمة التي تمر بها الجزائر، هي أولوية التعديل الدستوري المطروح للاستفتاء الشعبي ».

25 أكتوبر: قال بورقلة أنّ « إنجاح الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، يستدعي منا كجزائريين التحلي أكثر من أي وقت مضى، بنكران الذات وتحكيم صوت العقل وترجيح كفة المنطق السليم والمتزن، بعيداً عن تغليب المصالح الشخصية الضيقة ».

27 أكتوبر: بمقر القيادة الجوية قال: « أودّ التذكير، بهذه المناسبة التي تأتي قبل أيام قليلة من إجراء الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، أن المصلحة العليا للوطن تطلبت منا في الجيش الوطني الشعبي من منطلق مهامنا الدستورية، اتخاذ مواقف صادقة وثابتة اتجاه الوطن والشعب ».

هل الدستور يخوّل لمؤسسة الجيش الحديث عن المواعيد السياسية؟

دستورياً، حدّدت المادة 28 مهام الجيش الدائمة، وتتمثّل  » في المحافظة على الاستقلال الوطنيّ، والدّفاع عن السّيادة الوطنيّة، الدّفاع عن وحدة البلاد وسلامتها التّرابيّة، وحماية مجالها البرّيّ والجوّيّ، ومختلف مناطق أملاكها البحريّة ».

ورفع الحراك الجزائري نص هذه المادّة في شكل شعارات رافضة لتدخّل الجيش في السياسة، إذ هتف منذ بداياته شعار « دولة مدنية ليست عسكرية » ردّاً على الخطابات المتكررة للراحل الفريق أحمد قايد صالح حول الشؤون السياسية للبلاد بعد استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، إلّا أنّه اعتبر الشعار « جزء من مؤامرة سياسية تدبّرها العصابة ».

وكان متابعون للشأن السياسي في الجزائر قد انتقدوا تدخّل مؤسسة الجيش في السياسة طيلة الانتفاضة الشعبية، واعتبروا خطابات قيادة الأركان خرقاً واضحاً للدستور، نفس قيادة الأركان شدّدت قبل انتفاضة 22 فيفري 2019 على « ضرورة التزام الطبقة السياسية باحترام المهام الدستورية للجيش وعدم الزج به في الصراعات السياسية والحزبية ».

الإعلامي عثمان لحياني: « تكثيف قائد الجيش لخطاباته في الفترة الأخيرة يحمل ثلاث رسائل »

ويرى الكاتب والإعلامي عثمان لحياني أنّ « الجيش لا يعتبر نفسه معني بشعار دولة مدنية وليس عسكرية، مشيرا أنّ مبدأ عدم التدخل في السياسة يفسره الجيش بعدم عضويته المعلنة في المؤسسات السياسية وليس في مؤسسة صناعة القرار والخيار » .

وأفاد عثمان لحياني في اتصال مع « راديو ام » أنّه « منذ بداية الحملة الانتخابية حول الإستفتاء على مشروع الدستور، بدأ خطاب النفير العام والتعبئة العسكرية »، مُضيفاً أنّ « الجيش يعتبر نفسه معني بتعديل الدستور وبكل القضايا السياسية، وأنّ خطاب الجيش الآن حول الدستور ليس جديدا، بل هو استمرار لنفس خطابات المؤسسة العسكرية قبل الحراك وخلاله ومنذ سنوات ».

وفي ذات السياق، قال الإعلامي إنّ « تكثيف قائد الجيش لخطاباته في  الفترة الأخيرة يحمل ثلاث رسائل، أوّلا للخارج بأن كلّ ما يتم تنفيذه من مسار سياسي هو بموافقة وانسجام بين الجيش والسلطة السياسية، والرسالة الثانية إلى الداخل مفادها أنّ الجيش يرافق هذا المسار وموافق عليه، بدليل أنّ التدخل الوحيد للرئيس في الحملة الانتخابية للدستور كان من مقر وزارة الدفاع، أمّا الرسالة الثالثة فهي موجهة الي المعارضين للدستور والمقاطعين، مفادها أنّ الدستور سيمرّ وقواعد اللعبة السياسية مازالت نفسها ثابتة وتتلخص في قاعدة جيش زائد سلطة سياسية، وهذا يستبعد تماما الصاحب الرئيسي السلطة وهو الشعب، وعليه القواعد لم تتغير ولذلك الخطاب لم يتغير ».

أستاذ العلوم السياسية رضوان بوهيدل: «  الفريق لم يدعُ الشعب للتصويت بنعم وبقي مُحايداً »

وأكّد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور رضوان بوهيدل، أنّ « الجيش مؤسسة دستورية والقائد الأعلى للقوات المسلّحة هو رئيس الجمهورية، مشيراً إلى أنّه « اليوم أصبح الحديث عن مؤسسة وليس على شخص قيادة الأركان ».

وأضاف الدكتور رضوان بوهيدل في اتصال مع « راديو ام » أنّ « الرئيس عبد المجيد تبون هو من استدعى الهيئة الناخبة حسب ما يخوّله له الدستور في المادة 91″، مُردفاً: « الفريق السعيد شنقريحة من صلاحيته حماية مؤسسات الدولة، وحديثه في الدستور كان في إطار زيارات مثلما فعل وزراء وشخصيات وطنية وأحزاب سياسية والمعارضين للدستور ».

ويرى بوهيدل أنّ « الفريق شنقريحة خاض في مسألة الدستور ليُبيّن موقف مؤسسة الجيش »، مُضيفا في السياق: « الفريق قال سنذهب للدستور، ولم يدعُ الشعب الجزائري للتصويت بنعم عليه ».

وأشار الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية أنّ « خطاب الفريق السعيد شنقريحة يمشي في فلك السلطة التي عيّنته ».

وقال الدكتور بوهيدل إنّ « خطابات قيادة الأركان حول الدستور هي تمرير رسائل لأطراف خارجية تشكّك في العلاقة بين مؤسسة الجيش والرئاسة وتقول أنّ هنالك صراع بين المؤسستين ».

وأجزم ذات المتحدّث أنّ « المعارضين السياسيين في الجزائر عارضوا وثيقة الدستور فقط ولم يعارضوا خطاب قيادة الأركان حول الإستفتاء الشعبي ».

وختم رضوان بوهيدل بالقول إنّ « قيادة الأركان بقيت مُحايدة في حديثها عن الإستفتاء ولم تدعُ للتصويت بنعم على الوثيقة ».

المحامي سعيد الزاهي: « هذه التصريحات تترجم الخلل الموجود في المؤسسات المنتخبة مؤخرا »

من جهته، شدّد المحامي والناشط الحقوقي سعيد الزاهي، على أنّ « صلاحيات المؤسسة العسكرية محددة في الدستور الجزائري وتتمثل في حماية الوطن والسيادة الوطنية وحماية الوحدة الترابية للجزائر »، مضيفاً: « أما الدستور هو مشروع سياسي لسلطة منتخبة حديثاً في رئاسيات لم تحظى بالموافقة الشعبية أو الأغلبية الشعبية ».

وقال المحامي في اتصال مع « راديو ام » إنّ « الدستور يُعدّ مشروع سلطة سياسية لتأكيد الشرعية، والحراك وأغلبية الشعب رفض هذا الإستفتاء لأنه ليس مشروعاً توافقياً »، مُشيرا: « إذا كانت خطابات المؤسسة العسكرية في اطارها الدستوري فذلك شيء متفق عليه، أما فيما يخص مشروع سياسي لسلطة سياسية فذلك متروك للشعب، فهناك المعارض والموافق والمقاطع ومن حق الشعب أن يعبّر عن رأيه بكل حرية ».

ويرى سعيد الزاهي أنّ الخطابات المتكررة لقيادة الأركان حول الإستفتاء على الدستور « يؤكّد ما ذهب إليه الحراك الشعبي، وهو أنّ الانتخابات الرئاسية الأخيرة لم تحلّ المشكل السياسي في الجزائر بل زادته تعقيداً »، مُوضّحاً: « أعتقد أنّ هذه التصريحات تترجم هذا الخلل الموجود في المؤسسات المنتخبة مؤخرا، فالإشكال مازال مطروحاً وهو مشكل الشرعية التي يجب أن تعود للشعب ».

خوض الجيش في الاستفتاء.. « تدخّل سياسي » أم رسائل « أمنية »؟

لا طالما لعب الجيش الجزائري أدواراً مهمّة في أبرز المحطات السياسية للبلاد منذ الاستقلال آخرها مُطالبة بوتفليقة بتفعيل المادة 102 من الدستور وإعلان شغور منصب رئيس الجمهورية.

إلّا أنّه ولأوّل مرّة منذ تاريخ الجزائر المستقلة، ردّد الشعب في الحراك الشعبي منذ بدايته شعار « دولة مدنية ليست عسكرية »، رافضاً تدخلّ القبّعة العسكرية في الشؤون السياسية للبلاد. فهل خوض قيادة الأركان في مسألة الدستور « حملة انتخابية » لمشروع سياسي، أم رسائل « أمنية » تندرج في مهامها الدستورية؟