الجزائر الجديدة وتزايد الأزمات الدبلوماسية : ضعف الاستشراف والارتجال أم تخوف فعلي من خطر ! - Radio M

Radio M

الجزائر الجديدة وتزايد الأزمات الدبلوماسية : ضعف الاستشراف والارتجال أم تخوف فعلي من خطر !

Radio M | 24/12/23 17:12

الجزائر الجديدة وتزايد الأزمات الدبلوماسية : ضعف الاستشراف والارتجال أم تخوف فعلي من خطر !

سجلت الدبلوماسية، الجزائرية مُعدلاً غير مسبوق، في تعداد الأزمات الدبلوماسية الجزائرية، كماً ونوعاً وفي ظرف زمني قياسي لم يتجاوز الأربع سنوات.

حيثُ لم تشهد الجزائر، منذ استقلالها، الجمع بين أزمات دبلوماسية مع سبعة دول، من أوروبا وآسيا وإفريقيا، بداية من الأزمة مع فرنسا، مروراً بإسبانيا ثم سويسرا، لغاية المغرب فالنجير ومالي، إلى الإمارات.

وإن كان تعداد الأزمة المرتبط بدبلوماسية الجزائر الجديدة، قد دشنه المرشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2019، بأزمة مسبقة مع فرنسا من خلال اللعب على وتر ما يعرف بـتيار « الباديسية النوفمبرية »، المعادي للغرب وفرنسا ومزاعم تغلغل التيار العلماني اليساري في الحراك الشعبي، فقد تحول ملف الأزمة الدبلوماسية مع فرنسا، لبرنامج حملة انتخابية للرئاسيات.

وقد نجحت يومها، تشكيلة الجنرالات المتحكمين في دواليب السلطة آنذاك، بقيادة الفريق أحمد قايد صالح، ومدير الأمن الداخلي (المخابرات العسكرية)، واسيني بوعزة، في توظيف ملف التدخل الفرنسي في تسيير مرحلة الحراك وترويج مزاعم حضور ضابط استخبارات فرنسي في لقاء سري مع مستشار الرئيس ، سعيد بوتفليقة ومدير المخابرات الأسبق توفيق مدين، وزعيمة حزب العمال لويزة حنون، كورقة سياسية، تعمل على بعث شعارات مرتبطة بالباديسية النوفمبرية، واعادة صياغة مكونات نخب الحراك ومن ثم فرض الرؤية الأمنية والاستخباراتية لتلك الفترة.
وهناك ظهر اسم جديد للحراك الشعبي، الذي بات ينعت بـ »الحراك الأصيل  » و « الحراك المبارك »، في وصف « عروبي » وبألفاظ من قاموس الفقه الإسلامي.


لكن الرؤية الأمنية، التي فرضت انتخابات رئاسية على وقع سجن المئات من السياسيين والصحفيين ونشطاء الحراك والنخب المعارضة لسلطة القايد صالح المتهم بموالاة الإمارات، لم تدم طويلا، فماهي إلا أيام، حتى أُعلن عن وفاة نائب وزير الدفاع الوطني، المنقلب على سلطة من عينه على رأس المؤسسة العسكرية، ولم ينتظر طويلاً حتى تم الإعلان عن اعتقال وسجن مديره المخابرات الداخلية واسيني بوعزة، الذي فتح بدوره تعداد اعتقال وسجن عدد من الجنرالات الموالين للقايد صالح ممن سيروا مرحلة الانتخابات الرئاسية.

بعدها بدأت بوادر الانفراج مع فرنسا الرسمية، قبل أن تخلطها تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، حول الأمة الجزائرية وما وصفها بـ »السلطة العسكرية السياسية في الجزائر، التي أضعفها الحراك، والتي يجد نفسه تبون عالقا فيها ». وقد أنهت زيارة ماكرون للجزائر شهر أوت 2022، قبل أن يعود التوتر مجدداً مع فرار الناشطة الفرونكو جزائرية، أميرة بواروي.
وقد استدعت السلطات الجزائرية السفير من باريس، وحظرت الطيران العسكري الفرنسي عبر الأجواء الجزائرية، وقرارات أخرى زالت مع الوقت تدريجيا بتوتر الوضع في النيجر وتوظيف روسيا للغاز كسلاح، لكن تخللتها أزمات أخرى، بدت مرتبطة بملف الصحراء الغربية.

وبعد إعلان المملكة المغربية، اعادة بعث التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وجدت الدبلوماسية ضالتها، بتعلق العمل باتفاقية تصدير الغاز لإسبانيا وقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجارة الغربية، التي تجسست عبر برامج إسرائيلية على مسؤولين جزائريين.

إلا أن إسبانيا، اتهمت بإعادة بيع الغاز الجزائري، المورد عبر البواخر للمغرب، ما أغضب الجزائر، التي قرّرت تعليق العمل باتفاقية حسن الجوار والتعاون مع المملكة الإسبانية، التي غيّرت من موقفها بخصوص ملف المستعمرة، جمهورية الصحراء الغربية.

تدريجيا، أبدت الإمارات عداءات اتجاه الدبلوماسية الجزائرية، بدعم أطروحة الحكم الذاتي المغربية، وفتح قنصلية بمدينة العيون المحتلة، ومعارضة تعيين وزير الخارجية الجزائري الأسبق، صبري بوقادوم، كمبعوث أممي في ليبيا، لغاية معارضة انتخاب الجزائر كدولة عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي.
ولم تسلم سويسرا الهادئة من التوتر، فقط أثار استدعاء القضاء السويسري، لوزير الدفاع الأسبق، خالد نزار، حفيظة السلطات الجزائرية، التي قرّرت الرّد عن طريق وزارة الشؤون الخارجية عوض وزارة العدل، حول موضوع التهم والملف القضائي المتابع به.
وتزامناً مع احتفاء الاعلام العمومي بإنجازات الرئيس عبد المجيد تبون، لأربع سنوات عن موعد الانتخابات الرئاسية، دخلت الجزائر ومالي في أزمة دبلوماسية، باستدعاء كل دولة لسفيرها، وذلك على خلفية استقبال الرئيس تبون للإمام الداعية محمود ديكو، المعارض للسلطة المالية وكان وراء سقوط الرئيس أبو بكر كايتا.
كما سبق هذه الأزمة، رفض النيجر لوساطة أعلنت عنها الجزائر، أين رفضت التدخل في شؤونها الخاصة.

ومما لا شك فيه أن الجزائريين مهما اختلفوا مع سلطتهم ونظامهم، الذي يعتبره الكثير منهم رمزا للأزمة ومصدرها، فلا يختلفون معه إذا تحول الأمر إلى نزاع حدود أو أزمة تهدد الأمن الوطني، مثلما ظهر ذلك جليا في التحاق قادة منطقة القبائل بحرب الرمال عام 1963.