عادت أخبار الهجرة غير الشرعية أو « الحراقة » كما تُسمى بالمفهوم الشعبي، إلى الواجهة مُجددًا، حتى أنها انتعشت بشكل مُلفت منذ بداية العام الجاري، وهو ما تُوضحه أرقام رسمية تكشف عنها بيانات دورية لوزارة الدفاع الوطني.
وفي آخر حصيلة، تمكن حراس السواحل ومصالح الدرك الوطني من إحباط محاولات هجرة غير شرعية وإنقاذ 379 شخصا كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع بكل من وهران، تلمسان، الشلف، سكيكدة وعنابة والطارف.
وتتفاقم ظاهرة « الحرقة » سنة بعد أخرى، دون أن تجد طريقاً للحل من طرف الحكومات المتعاقبة التي عجزت عن وقف قوارب الموت نحو الضفة الأخرى، مع استمرار رفض المسؤولون الاعتراف بأن غياب مناصب العمل وتضاءل الفرص في ظل تفشي رهيب للبيروقراطية والمحسوبية، من يقود الشباب للمغامرة بأرواحهم في عرض البحر.
صدمة
وشكل وصول أكثر من 400 حراقة جزائري في ظرف 24 ساعة إلى السواحل الاسبانية في عز أزمة كورونا، صدمة للجزائريين، لاسيما وأن من بين المهاجرين السريين أطفال ونساء.
وقالت صحيفة » فريداد » إن إسبانيا عرفت أكبر موجة للحراقة الجزائريين في الـ 26 جويلية 2020، إذ وصل إلى سواحلها خلال 24 ساعة فقط 454 حراقًا، والأكيد أن الرقم هو أكبر من ذلك فالكثير من الحراقة يصلون إلى الدول الأوروبية دون تفطن من طرف الجهات الأمنية، في حين تبقى أرقام من يموتون في عرض مجهولة.
وتفجّر جدل واسع على منصات مواقع التواصل الإجتماعي، وربط بعض النشطاء عودة ظاهرة الهجرة غير الشرعية أو « الحرقة » إلى دول أوروبية أبرزها إسبانيا وإيطاليا بانعدام الأمل لدى فئات من الشباب كانت تطمح إلى تغيير الأوضاع في البلاد، بعد حراك 22 فبراير 2019.
ركود اقتصادي
ويعتقدُ المحلل السياسي توفيق بوقاعدة، أن « ظاهرة الهجرة في العالم مُرتبطة أساسًا بالمعطيات الاقتصادية والسياسية لتلك الدولة، وارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين في الفترة الأخيرة مؤشر على فقدان الشباب الأمل والثقة في الحكومة الحالية لتحسين أوضاعهم ». بالعكس يضيف « هناك تردي لتلك الأوضاع أكثر مما كانت عليه في فترة حكم بوتفليقة سواء من حيث المعطى الاقتصادي أو السياسي الاجتماعي ».
وفي قراءته يؤكد بوقاعدة لـ »راديو أم » : »الشباب في الفترة الأخيرة وحتى الفئات العمرية الأخرى بدون عمل وسكن ولا حتى محدّدات تُؤشر على إمكانية تغير الوضع، وهذه المرحلة تذكرنا رأسًا بسنة 2018 أين ارتفع عدد الشباب وحتى الكهول المهاجرين إلى الضفة الأخرى من المتوسط ».
يضيف « رغم تراجع هذه النسبة مع بداية الحراك الشعبي في فبراير 2019 وانتعاش حلم التغيير لدى الجميع وإمكانية استرجاع الحقوق الأساسية للفرد الجزائري وتنعمه بمختلف الخيرات التي تزخر بها بلاده لكن التحولات الدرامية في المشهد السياسي في الثلاثي الاخير من ذات السنة والاحساس باستمرار الوضع أعاد خطاب اليأس في الظهور وسط الجميع وأصبحت الهجرة هي الحل في تقدير الأغلبية بما في ذلك الطبقة العاملة ومن مختلف المستويات التعليمية الجميع يريد الهرب من البؤس و اللآمن في المستقبل ».
شبكات تتشكل مجددا
في السياق، قال حسان قاسيمي الخبير الدولي في قضايا الهجرة ومنطقة الساحل، إنه على الرغم من أن التوقعات كانت تصب في صالح انخفاض حالات الهجرة غير الشرعية في ظل فيروس كوفيد – 19 ، إلا أنه حدث العكس تمامًا وانتعش سوق قوارب الموت من جديد « .
ويعتقد قاسيمي في تصريح لـ « راديو أم » أن : « أكبر عامل مُتسبب في هذه الزيادة في معدل الحرقة هو الركود الاقتصادي وانتشار البطالة بين الشباب والتوقعات الجد قاتمة حول مستقبل الاقتصاد « .
في حين يُؤكد مدير السابق للهجرة في وزارة الداخلية، أن « شبكات المهربين تمكنت في غرب البلاد من إعادة تشكيل نفسها وبالتالي استئناف النشاط خاصة وأن السلطات العمومية تتواجد في حالات استنفار تام على مستوى جبهات أخرى ولا يزال يتعين عليها تعبئة المزيد من الموارد لمواجهة هذا التحدي الجديد ».