وضعت قضية ما بات يُعرف بـ « الاحتيال على الطلبة » بالجزائر، مُجددا علامات استفهامٍ كبيرة حول ضمان قرينة البراءة وسرية التحقيق بالنسبة للمشتبه فيهم بالجزائر، وخرق السلطات الأمنية لهذه المواد القوانينة والمواثيق الدولية.
بثّت وسائلُ إعلام جزائرية نهاية الأسبوع الجاري، مقاطع فيديو صُوّرت داخل مراكز الأمن بالجزائر، تُوثّق سير عملية التحقيق مع مؤثّرين على مواقع التواصل الإجتماعي يُشتبه تورّطهم في قضية احتيال على طلبة من طرف شركة « وهمية » تُدعى « فيوتر غايت ».
التشهير بالمشتبه فيهم على وسائل الإعلام، أسال الكثير من الحبر حول خرق مبدأ قرينة البراءة التي تنص عليها المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية، إلى جانب مبدأ سرية التحقيق.
وتسائل محامون وحقوقيون عن محلّ ضمانات المشتبه فيهم في هذه القضية المتواجدين في مرحلة التحقيق الابتدائي، مشيرين إلى أنّ « المتابعة باطلة حيث تم خرق مبدأ قرينة البراءة و كذا سرية التحقيق ».
كما شدّد محامون تواصل معهم « راديو أم » على أنّ « القانون الجزائري يعطي أهمية بالغة لسرية التحقيق بل و يشدد عليها في كثير من نصوصه »، مبرزين أنّ « قانون الإجراءات الجزائية في شأن المحاكمة المرئية ينص في المادة 441 مكرر فقرة 2 منه على أنه يتوجب أن تضمن الوسائل المستعملة في تقنية المحادثة المرئية سرية الارسال ».
كما أكّدت ذات المصادر على أنّ « قانون الإجراءات الجزائية يسمح فقط لممثل النيابة العامة أو لضابط الشرطة القضائية بعد حصول على إذن مكتوب من وكيل الجمهورية، أن يطلعا الرأي العام على عناصر موضوعية مستخلصة من الإجراءات، على أن لا تتضمن تقييم الأعباء المتمسك بها ضد الأشخاص المتورطين، و هذا في المادة 11 فقرة 3 من قانون الاجراءات الجزائية ».
وأوضح المحامون أنّ ذلك يعني أن « يتم عرض عناصر موضوعية تتعلق بموضوع الدعوى العمومية دون التطرق للطبيعة القانونية للجرم و دون عرض التكييف القانوني، حتى تراعى قرينة البراءة و حرمة الحياة الخاصة، كما أشارت إليه المادة 11 في فقرتها الرابعة من قانون الإجراءات الجزائرية و بالتالي ما حدث للمؤثرين والمشتبه في تورّهم في قضية الاحتيال على الطلبة يُعدّ خرق صارخ للقانون ».
من جهته، اعتبر المحامي صالح دبوز في منشور على حاسبه الخاص بالفايسبوك، أنّ « عرض مشتبه فيهم أثناء سماعهم من طرف الشرطة على الرأي العام وفي غياب محاميهم، هو انتهاك خطير لقرينة البراءة، وسرية التحقيق و هو تشويه لسمعتهم وتشهير بهم ».
وتساءل المحامي قائلا: « لماذا لا تعرض محاكمة الجنرالات وسجناء الرأي أمام الرأي العام بعد انتهاء كل التحقيقات، بما أن الجلسات علنية ووجاهية، ويعرض مواطنون يستفيدون من قرينة البراءة أثناء كل مراحل التحقيق الذي يفترض أنه سري تحت طائلة المتابعة القضائية لمن يخرق سرية التحقيق، وتعرض أمام الرأي العام بتسجيلات يمكن تنقيحها والتلاعب بها ومن طرف قنوات مصداقيتها مطعون فيها أصلا ».
من جهة أخرى، استنكر جزائريون على مواقع التواصل الإجتماعي، عملية التشهير التي تعرّض لها المؤثرون والمشتبه فيهم في قضية « الاحتيال على طلبة »، معتبرين أنّ « قنوات الإعلام تحوّلت إلى محكمة ببثّها لتلك المقاطع المصوّرة في مراكز الأمن ».
ولم تعرف الجزائر مثل هذه العمليات التي أكّد المحامون أنّها خرق صارحٌ للقانون، فقط في خضّم الحراك الشعبي أين نشرت وسائل إعلام ما أطلقت عليها « اعترافات مواطنين في مغافر الشرطة »، ناهيك عن المشتبه تورّطهم في مقتل الراحل جمال بن اسماعيل، وبعض نشطاء الحراك الذين تمّ اعتقالهم خلال المسيرات على حدّ تعبير المديرية العامة للأمن الوطني.
للإشارة، تُعدّ الجزائر من بين الدول التي صادثت على الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 بالقول الذي ينصّ بصريح العبارة أنّ كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً حتى تثبت ادانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات للدفاع عنه.