تطرح قضية مراد بوعكاز العائد من فرنسا وتم إيداعه الحبس ثم غادره بسرعة، العديد من التساؤلات حول مبادرة السلطة الجديدة المسماة « لم الشمل » أو « اليد الممدودة ».
مراد بوعكاز يتحدث في إحدى فيديوهات عن اختراقه الجماعات الإرهابية في سنوات ماضية لفائدة المخابرات الجزائرية. وفي فيديو جديد صوره مراد بوعكاز بعد استفادته من إسقاط المتابعات في حقه من قبل محكمة تبسة، ثمن مبادرة « لم الشمل » ودعا الراغبين في العودة إلى أرض الوطن أن يعودوا دون خوف.
وعكس مراد بوعكاز، فإن أنور هدام، القيادي السابق في الفيس، يعتبر في منشور على صفحته في فيسبوك « ليس من العدل الاصرار على المعالجة القانونية » لملاحقات من أسماهم ب »المنفيين بسبب المأساة الوطنية ».
والظاهر من خلال موقف أنور هدام، أن الحالات المشابهة لحالة مراد بوعكاز كثيرة. وهو ينتظر توفر « الإرادة السياسية لتجاوزها » بمعنى إلغاء تلك المتابعات دون إخضاع أصحابها للاجراءات القضائية المعروفة في مجال الأحكام الغيابية وأوامر القبض عن شخص مطلوب من العدالة… وجدير بالاشارة هنا، انه من حق أنور هدام أن يطرح شروطه على السلطة ما دامت هذه الأخيرة تفاوضه من أجل تسوية سياسية معه.
لكن هذه التطورات تضعنا أمام الحقائق التالية: أن السلطة لم تنته بعد من معالجة مخلفات أزمة الفيس الذي تم حله سنة 1992، إلى اليوم. أي بعد 32 ما زالت تبحث عن تسويات لملف مر عليه قانون الرحمة سنة 1995 ثم قانون الوئام المدني، فميثاق المصالحة الوطنية.
هذه الترسانة القانونية ما زالت سارية المفعول وجددت السلطة في مناسبات عديدة نداءاتها للإرهابيين أو قواعدهم الخلفية، للانخراط فيها. فما الذي يمنعها من تسوية الملفات التي تأخرت تسويتها بموجب نفس الترسانة القانونية دون الحاجة إلى مصالحة جديدة؟
إعادة إحياء ورقة الفيس لتجاوز مطالب الحراك الشعبي
ومقابل هذه الملفات العالقة من التسعينات وبداية الألفية، هناك ملف جديد في مسلسل الاعتقالات السياسية في الجزائر والمساس بحقوق الإنسان الجزائري وحرياته في الرأي وممارسة النشاط السياسي. هذا الملف بدأت أطواره شهر جوان 2019، ولم تظهر السلطة لحد الساعة استعدادها لطيه، بل عكس ذلك أعادت إلى السجن من تم الإفراج عنهم منذ فترة قصيرة بنفس التهم. ويتعلق الأمر هنا بالمرشح السابق للرئاسيات، رشيد نكاز الذي أودع السجن هذه المرة رفقة محاميه، عبد القادر بن شهرة، في تصعيد أثار قلق الحقوقيين والمحامين. بالإضافة الشرطي، توفيق حساني الذي أعادت مصالح الأمن توقيفه اليوم من مسكنه بالشلف.
يحدث كل هذا في وقت لم تفصح السلطة بعد عن مضمون « لم الشمل » الذي تدعو الشعب الجزائري للانخراط فيه بقوة. وبناء على هذه الوقائع الملموسة ميدانيا، نفهم أن عقارب الساعة عند السلطة متوقفة عند التسعينيات. وحتى إن تجاوزت مبادرتها زمنيا الملفات العالقة من أزمة الفيس، فلن تتجاوز معالجتها للازمة نطاق المعالجة القضائية والاجتماعية، على أن تكون هذه المعالجة فردية ولن في أغلب الاحتمالات الإشكالية الأساسية، المتمثلة في فتح المجال السياسي والجمعوي والإعلامي… والسماح بالانتقال الديمقراطي إلى عهد جديد.
أما عقارب الساعة عند الشعب الجزائري، فقد تجاوزت أزمة التسعينيات بكثير. فلم يعد هناك في الساحة السياسية مطلبا بارزا يدعو لعودة الفيس إلى الساحة السياسية، وإن وجد من يطالب بذلك فيصعب على أنور هدام وغيره جمعهم في حزب أو تكتل سياسي موحد. كما لم يعد هناك في الساحة الحاجة للعودة إلى المسار الانتخابي مادامت الجزائر قد عاشت مسارات إنتخابية عديدة بدأ من تلك الانتخابات التي أفرزت الرئيس اليمني زروال إلى المسار الانتخابي الذي أشرف عليه الرئيس عبد المجيد تبون.
وتشترك كل هذه المسارات الانتخابية في كونها فشلت في إخراج البلاد من أزمتها السياسية و فشلت في إعطاء البلاد خارطة سياسية مستقرة وفشلت في منح الجزائر مؤسسات قادرة على تطبيق القانون وفرضه على الجميع وفي كل الحالات.
م. إيوانوغن