يكشف مدير يومية « الوطن » الناطقة باللغة الفرنسية، محمد طاهر مسعودي، في هذا الحوار لـ « راديو أم »، حقيقة الضغوط التي تواجهها مؤسسته بفعل خطها الافتتاحي. ويحذر من عواقب « قتل الصحافة المستقلة » متسائلا « من سيستفيد من الجريمة؟ »
الساحة الاعلامية فقدت عنوانا صحفيا ليس بالهين، ومر الآن أكثر من أسبوع دون يومية « ليبرتي » في الأكشاك. ما تعليقكم على هذه التطور؟
سبق لي أن عبرت عن مشاعري لفقدان هذه الصحيفة التي كانت منافسا كبيرا لنا، وكنا في نفس الوقت نتاكمل. من غير معقول أن تختفي « ليبرتي » لأنها تعتبر إرثا وطنيا قبل كل شيئ، للأسف لم نفعل شيئا لإنقاذ هذا العنوان الذي يواجه صعوبات مالية ومالكه واجه أيضا ضغوطا كبيرة.
هذا ويشكل إختفاء « ليبرتي » إساءة كبيرة لصورة الجزائر، خاصة على الصعيد الخارجي.
كل المتابعين للساحة الاعلامية الجزائرية يجمعون على أن قراء « ليبرتي » سيتوجهون آليا لقراءة « الوطن ». هل إستقطبتم قراء جدد في هذه الفترة القصيرة؟
لا، نحن لا ننظر إلى الموضوع من هذه الزاوية. صحيح نمارس نشاطا تنافسيا مع « ليبرتي »، لكنها منافسة نزيهة. لم تكن هناك علاقة صدام بيننا، بل العكس كنا نتشاور دائما حول القضايا الاستراتيجية التي تخص الصحافة الوطنية.
زد على هذا « ليبرتي » تطبع مع المطبعة التي تملكها « الوطن » و »الخبر »، وبالتالي هي شريك وإختفائها هي خسارة مباشرة لنا من الناحية الاقتصادية.
على ذكر الشراكة الاستراتيجية بين العناوين الصحفية والمؤسسات الاعلامية بشكل عام. ماذا بقي اليوم من هذه الشراكة التي ميزت الساحة الاعلامية خلال عشريات من الزمن؟
مؤسف أن تواجه الصحافة الوطنية اليوم كل هذه الكراهية. الأمثلة كثيرة عن المواقف التي تعكس هذه الكراهية إتجاه الصحف، بما فيها تلك التي تحسب على السلطة. اليوم لم يبق تقريبا سوى « الوطن » وموقع « راديو.أم » كوسائل إعلامية تواصل تقديم صوت مخالف للصوت الواحد الذي هو صوت السلطة.
من الصعب تفسير ما يحدث، لقد وضعونا أمام خيارين أحلاهما مر: إما إعادة النظر في خطنا الافتتاحي من أجل إنقاذ الجريدة من الاختفاء ومن ثمة إنقاذ مناصب شغل. أو البقاء على نفس الخط، أي إنتقاد من يجب إنتقاده، حتى لو عرضنا ذلك للعقوبات والضغط عن طريق منعنا من الاشهار العمومي.
« الوطن » إختارت الطريق الصعب لأننا لا نستطيع التنكر لمسارنا وتغيير خطنا الافتتاحي رأسا على عقب. لو نفعل ذلك سيعاقبنا القراء بدورهم والصحيفة التي يعاقبها القراء محكوم عليها بالزوال.
للأسف خيارنا هذا جلب لنا حقدا غير مفهوم من قبل السلطات، فلا يعقل أن تحمل الدولة كل هذا الحقد لعنوان صحفي، لمجرد أنه ينتقد سياستها. « الوطن » ولدت مع الانفتاح الديمقراطي بعد أكتوبر 1988، وإذا كانت السلطة قد قررت أنه لم يعد هناك مكان للديمقراطية في بلادنا، فما عليهم إلا محونا من الوجود.
لكن لسنا في هذه الوضعية مادام الدستور يكرس حرية التعبير والحريات الديمقراطية. وعليه فالدولة من واجبها مساعدتنا ومساعدة كل العناوين الصحفية وتمكينهم من العمل بشكل عادي.
هل تملك « الوطن » إمكانات المقاومة رغم كل الضغوط التي تتحدثون عنها؟ فالكثير من المتبعين يتوقعون أن يكون الدور على « الوطن » بعد « ليبرتي »؟
المهمة صعبة جدا. لدينا مشاكل عديدة، بدأ بالضغوط المالية التي نحاول إيجاد حلو لها دون صراخ ولا ضجيج. نواجه ضغوط أخرى كثيرة ومتعددة الأشكال نحاول تسييرها بأعصاب باردة.
ورغم كل شيئ نعتقد أن الدولة الجزائرية لن تسمح لنفسها بتضييع عنوان آخر بقيمة « الوطن » بعدما سمح بتضييع « ليبرتي ». لدينا ثقة كذلك أن السلطات ستحرك لانقاذ الصحافة الوطنية بشكل عام، لأن « الوطن » ليست وحها التي تواجه خطر الاختفاء، بل هناك عناوين أخرى مثل « لوكوتديان دوران » و »راديو.أم »… ولا أتذكر كل العناوين التي تواجه صعوبات، لكن واقع الساحة الاعلامية بشكل عام أكثر من مقلق بسبب تحريف النموذج الاقتصادي لقطاع الاعلام.
كيف يمكن تفسير حرمان صحيفة ذات سحب معتبر من الاشهار بينما عناوين كثيرة لا تخرج من المطبعة تمنح لها صفحات كاملة من الاشهار.
هو توزيع سياسي للاشهار وليس تجاري؟
هي وضعية غير قانونية وتعتبر تبديد مباشر للأملاك العمومية وتحويل غير معلن للأموال العمومية. في شركة الطباعة للجزائر (آسييا) هناك 87 عنوانا لا يطبع أكثر من 2000 نسخة ولاتوزع على الأكشاك. لا أعرف إحصائيات شركة المجاهد (سامبرال)، وأعتقد هو نفس العدد أو أكثر. فلدينا إذن أكثر من 200 عنوان صحفي يسحبون 2000 نسخة ويتحصلون في المقابل على صفحة أو صفحة ونصف من الاشهار العمومي.
أما « ليبرتي » أو »الوطن » أو »لوكتيديان دوران » التي تسحب ما بين 40 و50 ألف نسخة، فهي محرومة من الاشهار تماما ومنذ سنوات. ما هو المنطق المتبع؟ بينما الدولة يجب أن يكون دورها تحكيميا فقط وضامنا للتوزيع العادل للإشهار العمومي. مازلنا في نفس الممارسات التي كرسها سعيد بوتفلقة وعصابته، أي ما زلنا في التحويل المقنع للأموال العمومية.
« الوطن » رفعت سعرها إلى 40 دينارا للنسخة. هل نجحتم في هذه العملية؟
لم يتغير الشيئ الكثير بما أن اسعر الورق إلتهبت في الأسواق الدولية.
لكن هل تأثرت مبيعات « الوطن » بزيادة السعر؟
لحسن حظنا لم تتأثر المبيعات، بل العكس، هناك من طلب منا رفع السعر إلى 50 دينارا. ربما هذا صائب، لكننا فكرنا أيضا في القراء الذين لا يجب معاقبتهم أيضا. النتيجة أن الزيادة التي قررناها في سعر الصحيفة قابلتها زيادة في تكلفة الطباعة. وهذا هو المجال الذي ينبغي أن تدخل فيه الدولة بتوقيف تبذير الورق على مستوى المطابع العمومية وتحديد سقف 10 آلاف أو 15 ألف نسخة لا يمكن النزول منه، حتى تتمكن من دعم سعر الورق لفائدة العناوين ذات المقروئية والسحب المعتبر.
الدولة يمكنها دعم سعر الورق وشرائه بأقل تكلفة، بينما نحن نشتريه بأسعار خيالية لأننا لا نستطيع الوصول إلى المصدر ونشتريه في أسواق المضاربة. إذن لو يسمح لنا بشراء الورق لدى الشركة العمومية (ALPAP) بأسعار مدعمة فسينقذ ذلك مطبعتنا ويكون الجميع مستفيد من العملية.
هناك مشكل آخر تداولته وسائل الاعلام في الآونة الأخيرة، يتعلق برواتب عمال وصحفيي « الوطن » المتأخرة. أين وصلت هذه الوضعية؟
لا أريد الاطالة في الحديث عن وضعية « الوطن » بالذات، نحن نحاول تسيير الوضعية عن طريق القنوات الرسمية. صحيح لدينا مشكل سيولة بسبب تجميد القرض الذي تعاقدنا عليه مع البنك. طالبنا بإعادة فتح هذا القرض وإبقائه في نفس المستوى المحدد في العقد. لكن إدارة القرض الشعبي الجزائري قررت توقيف هذا القرض بحجة نزاع مع الضراب. وعندما وجدنا الحل مع مصالح الضرائب وقدمنا لهم دول زمني للدفع، أخرجوا لنا قصة أخرى تتعلق برقم أعمالنا، مع أن رقم الأعمال ثابت ولم يطرأ عليه أي تغيير…
طالبنا إذن بإحترام بنود العقد الذي أبرمناه مع البنك، وننتظر تسوية الوضعية قبل العيد، لأنا الأمر يتعلق ب150 عمالا لم يتلقوا أجورهم منذ شهرين تقريبا.
الظاهر أن نهاية تجربة الصحافة المستقلة هي التي إقتربت. أليس كذلك؟
لا أتمنى ذلك. أفضل البقاء متفائل لأن الصحافة بشكل عام إذا تم قتلها، فمن سيستفيد من الجريمة؟ الأكيد ليست الجزائر أو الدولة الجزائرية. الصحافة المغربية ستستغل الفرصة لإعلان زوال الصحافة المستقلة في الجزائر.
أعتقد أن العواقب ستكون ثقيلة، خاصة على المستوى الخارجي. حيث سيفهم الجميع أن الجزائر تعرف تحولا جذريا في نمط الحكم وأنها إنزلقت نحو ديكتاتورية غير معلنة
م. إيوانوغن