كنزة خاطو
نجح الحراك الشعبي منذ ميلاده في 22 فيفري 2019 أن يوصل صوته ليس في الجزائر فحسب، بل إلى جميع أنحاء العالم، من خلال ثورة سلمية أطلق عليها « ثورة الابتسامة »، حيث ابتكر الجزائريون والجزائريات طُرقًا كثيرة، كانت أحيانًا ساخرة ومرّاتٍ ذكيّة وفي كثيرٍ من الأحيان مبدعة، لترجمة مطالبهم السياسية والاجتماعية في مسيرات الجمعة وثلاثاء الطلبة.
جزائريون وجزائريات يكتبون آمالهم وآلامهم في الحراك
بمختلف لغات العالم خاصّة العربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية، لخّص الحراك في بضعة أسطر وكلمات على لافتات من الكرتون أو مُلصقات يعبرون من خلالها عن آمالهم وآلامهم وخاصة عن مواقفهم من نظام الحكم وطريقة التسيير، كما كتبوا أحلامهم وطموحاتهم في جزائر تعود فيها الكلمة للشعب.
نشطاء يودعون الحبس بسبب اللافتات !
ومع بداية حملة الاعتقالات وايداع العديد من النشطاء الحبس، تقلّصت أعداد اللافتات في مسيرات الحراك الشعبي خاصّة مع اقتراب موعد الرئاسيات، حيث أنّ قوات الأمن لا طالما حجزت لافتاتِ متظاهرين أيام الجمعة والثلاثاء وحرصت على مراقبة كلّ ما يُكتب عليها.
وأوقفت عناصر الأمن عددا من المتظاهرين والنشطاء والطلبة على خلفية لافتات رفعوها أثناء المسيرات، وأودع عدد منهم الحبس مثلما كان عليه الحال مع الطالبة الجامعية نور الهدى دحمان ومسعود لفتيسي الناشط السياسي وآخرون.
اللافتات والمُلصقات تزايد منذ استئناف الحراك
والمتابع للحراك الشعبي يدرك مدى أهمية هذا النوع من طرق الاحتجاج، يلاحظ أن صور المعتقلين كانت في طليعة أعداد اللافتات، تليها الكثير من الرسوم والتعبيرات الرافضة لمبادرات النظام سواء قبل استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أو المرحلة التي تلت ذلك، وصولا إلى اللافتات التي طالبت بتعليق الحراك في الأيام الأولى للوباء العالمي كوفيد19.
اختفت اللافتات من الشارع بسبب الوباء لتنتشر عبر وسائط التواصل الاجتماعي معلنة حتمية وجودها، لتعود باحتشام إلى الشارع مع عودة المسيرات الشعبية في الذكرى الثانية لبداية الحراك، ثم ارتفعت الأعداد بشكل ملاحظ في الأسبوع الثاني والثالث.
أمين طارزالت: بقيت اللافتات السبيل الوحيد للتعبير عن مطالبنا
أمين طارزالت ناشط في الحراك، خرج منذ 22 فيفري 2019 للتعبير عن رفضه لنظام الحكم، رفع مع مجموعة من أصدقائه لافتات صنعت الحدث في آخر جمعة لمسيرات الثورة الشعبية.
أكّد أمين طارزالت في حديثه مع « راديو ام » أنّ اللافتات ترافق المسيرات الشعبية والشعارات التي يردّدها المتظاهرون أيام الجمعة والثلاثاء، خاصّة وأنّ الجزائريين والجزائريات أُبعدوا لفترة طويلة عن السياسة، كما أنّ وسائل الإعلام الثقيلة أغلقت في وجههم أبوابها، وعليه بقيت اللافتات السبيل الوحيد للتعبير عن مطالبهم.
ويرى أمين أنّ للافتات دورا مهما في الحراك الشعبي، حيث تعبّر على الوعي السياسي لدى الشعب الجزائري الذي كُمّمت أفواهه تحت غطاء حجج عديدة (شعب ماشي تاع سياسة، غير واعي أو شعب أمّي).
عن التنظيم، يقول أمين إنّ الأمر بسيط، حيث مع أصدقائه بكتابة مطالبهم السياسية على اللافتات ثمّ يعطون موعدا للاتقاء في مكان مُعيّن ويرفعونها معًا طيلة المسيرة الشعبية.
يُضيف الناشط في الحراك أنّ الإلهام طبيعي في كتابة اللافتات: « ربّما نفتقر إلى كثير من الأشياء إلّا الإلهام في كتابة مطالبنا ».
علي بوشركة: اللافتات من الأدوات الأساسية للتعبير السلمي لكل الثورات
علي بوشركة، ناشط في الحراك ومختص في علم الاجتماع، رافق الحدث السياسي الجزائري منذ بدايته في 22 فيفري 2019، عبر مقالات وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي.
يرى المختص في علم الاجتماع في اتصال مع « راديو ام » أنّ اللافتات وعبر كل الثورات والحركات الإجتماعية كانت من الأدوات الأساسية التي تستعملها الشعوب، أولا للتعبير عن مطالبهم وأسباب دخولهم في معارضة مباشرة للأنظمة السياسية الحاكمة من جهة، من جهة أخرى تعبّر اللافتات على مدى التنوع الموجود والمرجعيات التي تتبناها كل الأطياف الإجتماعية المنخرطة في المسار الثوري فتنوع اللافتات نابع من التنوع السوسيولوجي للثورة، إذن فهي من الأدوات الأساسية للتعبير السلمي لكل الثورات ذو الطابع الغير مسلح.
وعن لافتات للحراك الشعبي الجزائري، اعتبر علي بوشركة « ظهر أنّ اللافتات وبحكم حتمية الاستقطاب بين الحراك الذي أخذ طابع ثوري من أجل التغيير الجذري للمنظومة الحاكمة والنظام الحاكم ذو الطابع التسلّطي الفاقد للشرعية الشعبية »، مُبرزا: « لا تزال اللافتات تلعب دور وسيلة تواصل غير مباشرة بين الطرفين، بين المطالب المعبّر عنها في المظاهرات و مدى تجاوب النظام السائد مع تلك المطالب ».
ويضيف المختص في علم الاجتماع أنّ » اللافتات أصبحت أيضا ترجمة لردود فعل المساندين للحراك علي كل المحطات والأحداث والمنعرجات التي يمرّ منها المسار الثوري، إما بالدعم، أو الرفض أو التنديد والاستنكار ».
أمّا الرسالة الموجّهة –حسبه- من الحراك للنظام إجمالا هي الالحاح علي ضرورة تغيير قاعدي وعميق للمنظومة الحاكمة نفسها، و التأكيد على أن الحراك يمكن أن يكون فرصة للأحداث ذلك بطريقة سلمية وحضارية تسقط كل ممارسات الماضي وتحمي ديمومة الدولة الجزائرية ومؤسساتها.
كريم زغليش: اللافتات تعطيك فكرة عن الفئة الاجتماعية الموجودة في الحراك
عبد الكريم زغليش معارض سياسي، أودع السجن في خضمّ الحراك الشعبي بسبب آرائه ومواقفه السياسية، رفع في كثير من المرّات لافتات تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي.
أرجع زغليش في حديث مع « راديو ام » إلى نقص اللافتات والمُلصقات في الأسابيع الأخيرة قبل تعليق المسيرات والأسبوعين الأوّلين بعد استئنافها، إلى كونها تُكلّف الكثير من المال، كما أنّ الناس غير قادرين الآن على الاستثمار (ماليا وفكريا) في تلك اللافتات والمُلصقات، حيث لم يعد باستطاعتهم رؤية الأهداف المرجوة من الحراك.
وفي سؤالٍ عمّا إذا كانت اللافتات تُترجم مُصالحة الجزائريين والجزائريات مع السياسية، قال المعارض السياسي إنّ « لا وجود لمصالحة، فالشعب المنخرط في الحراك في قطيعة تامة مع النظام، أيضا وعي سياسي حقيقي وُلد داخل الحراك الشعبي، لكنها لا تتماشى تمامًا مع السياسة التي يطبقها النظام ».
وعن مضمون اللافتات والمُلصقات، قال كريم زغليش إنّه ومنذ استئناف مسيرات الحراك، خرج في ثلاث مدن مختلفة (قسنطينة، وهران، العاصمة)، لاحظت أنّ شعارات جديدة عدوانية ضدّ مصالح الأمن، أمّا بخصوص اللافتات فدُّونت عليها نفس المطالب.
ويرى سجين الرأي السابق أنّ اللافتات نوعين تلك التي يتم طباعتها وهي الأقل حضورا والأكثر ظهورا، وتلك التي يتمّ كتابتها على الورق المقوى والكارتون.
وعن الفرق بين النوعين قال عبد الكريم زغليش إنّ اللافتات المطبوعة تعطي للحراك ألوانا وتضفي عليه نضارة، عادة ما تكون جميلة وساخرة مليئة بالأحاسيس والمطالب.
ويضيف المعارض السياسي أنّ اللافتات الموجودة في الميدان تعطيك فكرة عن الفئة الاجتماعية الموجودة في الحراك.
ورفع زغليش لافتة في الجمعة الثامنة 108 دوّن عليها باللغة الفرنسية » دولة علمانية ديمقراطية تقدمية »، لكنّه تعرّض حسب ما كشفه إلى مضايقات من طرف متظاهرين أين حاولوا تمزيقها والاعتداء عليه لولا تدخّل متظاهرين آخرين.
الحراك الطلابي يولي أهمّية كبيرةً للافتات
ومن الظاهر أيضا أنّ الحراك الطلابي يولي أهمّية كبيرةً للافتات، التي حضرت بقوّة منذ الأسابيع الأولى للمسيرات.
حرص الطلبة والطالبات على تدوين مطالبهم ورفضهم لممارسات النظام الحاكم، في لافتات ومُلصقات، تنمّ عن وعي وإدراك كبيرين بالتحدّيات الراهنة.
ومع عودة زخم المسيرات تبقى اللافتات إحدى أهم الأدوات والوسائل الأساسية للتعبير عن الرأي، فهل ستُصغي إليها السلطة ؟!