من إجراءات الرحمة إلى "رص الصفوف": كرونولوجيا المواجهة الأمنية لأزمة الشرعية السياسية - Radio M

Radio M

من إجراءات الرحمة إلى « رص الصفوف »: كرونولوجيا المواجهة الأمنية لأزمة الشرعية السياسية

Radio M | 08/05/22 16:05

من إجراءات الرحمة إلى « رص الصفوف »: كرونولوجيا المواجهة الأمنية لأزمة الشرعية السياسية

لا تختلف عبارات « رص الصفوف » أو « لم الشمل » أو « الالتفاف حول مشروع الرئيس »… في إطار الجزائر الجديدة، عن عبارات « الجدار الوطني » التي أطلقها عمار غول أو « الجبهة الموسعة لدعم الرئيس » التي أطلقها عمار سعداني أو « التوحد في فضاء موسع » كما سماها أويحيى… وكلها كانت مجرد تلاعب بالألفاظ ( métaphore)   لإخفاء أزمة سياسية غير مسبوقة.

كلنا نعلم أين يوجد الآن عمار سعداني وغول وأويحيى بعدما فشلوا في بعث مشروع سياسي حقيقي يضمن لهم الاستمرار في الساحة بدل الاعتماد على الجيش والمؤسسات الأمنية  كأداة يهددون بها من يخالفهم الرأي ويحذر من مخاطر الفراغ الرهيب الذي طغى على الساحة السياسية.

تبون إستهلك لح الساعة نصف عهدته ودخل في مرحلة العد التنازلي، وإكتشف أنه أخطأ في إختيار الوزراء وأن عشرات النواب الذين أفرزتهم التشريعيات المسبقة التي قاطعتها الأغلبية الساحقة من الجزائريين، يقعون تحت طائلة تنافي وضعيتهم الاجتماعية مع العهدة البرلمانية، دون الحديث عن النواب الذين يواجهون إجراءات رفع الحصانة البرلمانية بسبب فضائح مختلفة.

كما إكتشف تبون بعد سنتين ونصف أن التعديلات القانونية التي باشرها لحد الساعة منافية للاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الجزائر ومنافية للدستور الذي مرره عبر إستفتاء قاطعته الأغلبية الشعبية كذلك. وعليه هو مطالب في كل مرة بالجواب على مراسلات يوجهها له مقررو الأمم المتحدة المتابعون لملف الحريات الفردية والجماعية وحقوق الانسان في العالم.

تبون وجد نفسه كذلك بعد نصف عهدة مضطرا للاستنجاد بالأحزاب التي كانت ملتفة حول بوتليقة لمدة 20 سنة ونادى الشعب الجزائري برحيلها طيلة سنتين من المسيرات الشعبية. وإكتشف أن المجتمع المدني الذي كان يراهن عليه لتعوض الأحزاب غائب في الحقيقة، وأن مشروع تأسيس حزب رئاسي بعيد المنال…

كيف سيكمل تبون عهدته وهل يفكر في عدة ثانية؟

من الصعب فهم المشهد السياسي في جزائر 2022 إذا إختزلنا المسألة في الرئيس عبد المجيد تبون، علما أن هذا الأخير أصدر مرسوما رئاسيا يعطي للمجلس الأعلى للأمن صلاحيات أوسع من تلك التي يمنحها له الدستور. مرسوم يكرس تقاسم السلطة بين الرئيس والأجهزة الأمنية ويجعل من إجتماعات المجلس الأعلى للأمن شبيهة بإجتماعات مجلس الوزراء.

المشهد اليوم إذن يتعلق بمصير منظومة حكم بأكملها، وليس بمستقبل رئيس فقط. هذه المنظومة حاولت مواجهة أزمة شرعية قديمة وتجددت مع خروج أول مسيرة شعبية رافضة للعهدة الخامسة لبوتفليقة، يوم 22 فيفري 2019، وإستمرت للمطالبة بتغيير أسلوب الحكم وإنسحاب الجيش من الساحة السياسية. ومرت أكثر من سنة على توقف المسيرات الشعبية المطالبة بتغيير منظومة الحكم، لكن الساحة السياسية توقفت عند النقطة التي تركتها عليها لك المسيرات الشعبية. أي نفس الأحزاب المرفوضة شعبيا ونفس وسائل الاعلام ونفس الوجوه السياسية والثقافية والاعلامية… وعلى الصعيد الاقتصادي أيضا، لم يظهر فاعلين جدد يستطيع تحريك عجلة التنمية بعد إيداع أغلب الفاعلين في الساحة الاقتصادية أيام بوتفليقة، السجن.  

السلطة والفريق الحاكم الحالي بحاجة إلى الاستثمار في قواعد شعبية جديدة غير تلك التي جندها في المواعيد الانتخابية السابقة. ولأن نفس الأنظمة لا يمكنها أن تنتج سوى نفس الافكار والمبادرات، عادت السلطة إلى إعادة تشغيل أدواتها السابقة، على وزن « إجراءات الرحمة » أو « المصالحة الوطنية » أو « الوئام المدني »… وهذه الاجراءات موجهة هذه المرة لمناضلين مفترضين في حركتي ال »ماك » و »رشاد » اللتين أعلنتهما السلطة كحركتين إرهابيتين.

فهل تحول الحركتان من ذريعة استخدمها السلطة لتوقيف مشيرات الجمعة إلى وسيلة لإخراج السلطة من مأزق الشرعية، ولو شكليا؟ واضح أن « ظروف التسعينيات تختلف عن ظروف 2022 » على حد تعبير المحامي الحقوقي عبد الغني بادي. وواضح كذلك أن الأزمة التي عالجها بوتفليقة بإجراءات المصالحة الوطنية، كانت أزمة أمنية حتى إن تجنب حل الأزمة السياسية التي رافقتها.

أما الأزمة التي يريد تبون حلها بإجراءات أمنية، فهي مصطنعة، سرعان ما ظهرت للعالم وللرأي العام الوطني أنها مصطنعة. وإن أرادت السلطة أن تنصب  ال »ماك » و »رشاد » كممثلتين وحيدتين للشعب الجزائري، فهي بذلك تقطع الغصن الذي تجلس عليه لأن الشعب الجزائري رفض طيلة مسيرات الحراك أن يمثله أي كان، ناهيك أن يمثله ال »ماك » أو « رشاد ».

م. إيوانوغن