هناك من يلِدْنَ في عرض البحر: جزائريات "حراقة".. لماذا تُهاجرن؟ - Radio M

Radio M

هناك من يلِدْنَ في عرض البحر: جزائريات « حراقة ».. لماذا تُهاجرن؟

Radio M | 15/03/22 17:03

هناك من يلِدْنَ في عرض البحر: جزائريات « حراقة ».. لماذا تُهاجرن؟

كنزة خاطو
بات شقّ الطريق نحو الضفة الأخرى عبر قوارب الموت لا يقتصر على الجزائريين فقط، فالجزائريات أيضًا اخترن هذا الطريق لمُغادرة البلد لأسباب مُختلفة ولكن تقترب كثيرا من الأهداف التي يسطّرها الرّجال.

تفاقمت الهجرة غير النظامية وصارت سواحل الجزائر « محطّة » على الهواء الطلق للوصول إلى « الحياة المثالية » في أوروبا خاصة، كما صارت النساء تخاطرن بحياتهنّ بحثا عن عيشة أفضل حدّ الإنجاب على متن القوارب أثناء عملية العبور، وأخرياتٌ ينقلن أطفالهنّ معهنّ في رحلة البحث عن « الحياة ».

لماذا تهاجرُ الجزائريات وما هي أسباب ارتفاع أعدادهنّ؟

منظمات إسبانية: النساء يهربن من العنف ويُمثّلن 10 بالمئة من الحراقة
في حوارٍ سابق مع عضو المركز الدولي لتحديد هوية المهاجرين المفقودين الإسباني فرانسيسكو خوسي مارتن الذي قابل العديد من النساء هناك، حدّد أسباب هجرتهنّ في التحاقهنّ بأزواجهنّ المتواجدين في اسبانيا، أو البحث عن العيش بحريّة دون أن يُرغمن على القيام بأشياءٍ لا يرغبن فيها، والهروب من العنف، إضافة إلى مزيد من حقوق المرأة.

ولدقّ ناقوس الخطر، قالت جمعية الأندلس لحقوق الإنسان باسبانيا، إنّ الطريق نحو إسبانيا أكثر فتكاً بالنسبة للنساء مقارنة بالرجال، حيث يمثلن 10٪ من الأشخاص الذين سلكوا هذا الطريق، إلا أنهنّ يمثلن 19٪ ممن فقدوا الحياة فيها ».

أمال حجاج: لن تتوقّف النساء عن الحرقة وإن تحسّنت الأوضاع الاقتصادية
أرجعت المناضلة الحقوقية ورئيسة مؤسسة الجريدة النسوية الجزائرية أمال حجاج، سبب « حرقة » النساء إلى كافة الأسباب الاجتماعية والإقتصادية، مشيرة إلى أنّ هجرة النساء تعود إلى كافة التحولات التي تعيشها النساء في الجزائر، حيث صرن تفكّرن بالعيش لمُفردهنّ، كما باتت لا تقبلن بكل الظروف.

وأضافت أمال حجاج أنّ « الذكور من كانوا يهاجرون سنوات الثمانينات والتسعينات أي خلال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها البلد آنذاك، بينما عامة النساء لم تكن تفكّرن في الهجرة آنذاك »، مُضيفة: « شيئا فشيئا، تحوّلت المرأة الجزائرية وطالتها تطورات ملحوظة، إذن بالنسبة لي أمر منطقي جدا أن نسبة النساء الحراقة سترتفع، حيث تعشن نفس الظروف مثل الرجال ».

وقالت حجاج إنّ « النساء اليوم بدأن الوصول إلى المساحات العمومية، كما صارت تطلّعاتهن للمستقبل مُشابهة للذكور ، وعليه الهجرة تتزايد بطريقة تلقائية »، مُبرزة:  » كذلك تنظر النساء إلى التجارب الناجحة لأزواجهنّ وأبنائهنّ الذين اختاروا الهجرة منذ الاستقلال، تلك الصورة بقيت راسخة في الذهون وتريد المرأة النجاح مثلها مثل الرجل ».

وأشارت المناضلة الحقوقية إلى أنّ « النساء كنّ لا يقتربن من كلّ ما هو خطير كعدم العمل في الجيش وبعض المهن الأخرى، بعدها تلاشت تلك الأفكار والحواجز على غرار هجرتهنّ عبر زوارق الموت، وباتت مثلها مثل الرجل في كفاحٍ من أجل العيش ».

في السياق ترى أمال حجاج أنّ « أنّ عدد النساء اللواتي يرغبن في مغادرة البيت العائلي تتزايد خاصة في الأربعة سنوات الأخيرة، حيث تبحثن عن العيش بمفردهنّ هربًا من العنف والاضطهاد، ومنهنّ من تفضّل « البوطي » والهجرة نحو الضفة الأخرى على أن يكشف مكانها مُعنّفيها »

في الأخير أكّدت رئيسة مؤسسة « الجردة النسوية الجزائرية » أنّ نسبة النساء الحراقة ستتزايد ولن تتوقّف، وإن تحسّنت الظروف الاقتصادية ».

الحقوقي زكرياء بلحرش: أصبحت المرأة متحررة ولا ترى نفسها مُقيّدة بالرجل
يرى من جهته المحامي والحقوقي والمهتم بملف الهجرة غير النظامية زكرياء بن لحرش، أنّ « المرأة الجزائرية أصبحت مُتحرّرة، كما باتت تفكّر في تسطير أهدافٍ تريد الوصول إليها مثلها مثل الرّجل ».

وأضاف الحقوقي أنّ « المرأة الجزائرية تريد تحقيق أهدافها، وبما أنّ المناخ في الجزائر لا يسمح بذلك أصبحت النساء أيضا تأخذ قوارب الموت لتحقيق أحلامهن »، مُبرزا: « أصبحت المرأة متحررة ولا ترى نفسها مُقيّدة بالرجل ».

وعن اصطحاب النساء الأطفال القصر، قال المحامي إنّ « القانون يُجرّم الهجرة غير النظامية بالإضافة إلى تعريض حياة القصر للخطر، إلا أن هذا لا يمنع كثير من العائلات من تعريض ابناءهم للخطر »، مشيرا إلى أنّ « السؤال هو هل يُتابعون عند إلقاء القبض عليهم بتهمة بتعريض حياة الغير للخطر، في الحقيقةلم نشهد لحد الآن أية قضية عُرضت أمام المحاكم تتعلق بهذه التهمة ».

وشدّد زكرياء بلحرش على أنّ الحلول لوقف الهجرة لا تختلف بالنسبة للجنسين، وترتكز على الإرادة السياسية: « لابدّ من إرادة سياسية من طرف الدولة والحكومة، وذلك بتنظيم هذه الهجرة عن طريق تشديد الحراسة الأمنية في السواحل، وتقديم كل الفرص للجنسين من أجل توفير الشغل، بالإضافة إلى إرساء الديمقراطية والقانون وحفظ الكرامة الانسانية، وحفظ حقوق وحريات الجزائريين والجزائريات خاصة حرية التنقل ».

وأضاف المحامي أنّ « ضعف الديبلومساية الجزائرية عامل من عوامل تفاقم الهجرة عبر قوارب الموت »، مبرزا: « ترفض القنصليات طلبات التأشيرة لأغلب الجزائريين والجزائريات، وذلك راجع إلى مبدأ المعاملة بالمثل ».

المختص في علم الاجتماع علي بوشركة: تركيبة العائلة التقليدية المُحافظة تغيّرت
وأرجع المختص في علم الاجتماع علي بوشركة، الظاهرة إلى أربعة عوامل رئيسية تتمثّل في تفكّك العائلة التقليدية الجزائرية، الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، المناخ السياسي الراهن والانفتاح الإعلامي الذي يقابله مواقع التواصل الإجتماعي.

وأوضح علي بوشركة هجرة النساء تعود إلى تفكك العائلة التقليدية الجزائرية المحافظة، حيث أنّ المرأة لم تكن سابقًا تُفكّر في التنقّل إلى الخارج »، مُبرزًا: « تغيّرت تركيبة العائلة التقليدية مُقارنة بسنوات الثمانينات، سابقًا هذه التركيبة فرضت على المرأة قيودا جعلتها تدخل في الصف دون اعتراض، أمّا اليوم صارت المرأة تهاجر بطريقة غير نظامية دون الخوف من كلام المجتمع وحكمه عليها، أي صارت تهرب منه بأكثر أريحية ».

في السياق أضاف المختص في علم الاجتماع أنّ المرأة تخطّت تلك البرمجيات الثقافية التقليدية، الأهمّ اليوم هو المال والوضع الاقتصادي وليس « بلاصتك في الكوزينة »، مشيرا: « كذلك يشهد المجتمع الجزائري أزمة كبيرة بالنسبة للزواج، فمعدّل الزواج بالنسبة للنساء تراجع كما هو الحال بالنسبة للرجال بفعل أزمة السكن، البطالة وغيرها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أرقام الطلاق انفجرت في الجزائر، والمرأة المُطلّقة التي تجد نفسها تائهة بين المجتمع وعدم تكفّل الدولة بها، تتخذ الحرقة منفذا وحيدا لتحسين وضعيتها الاجتماعية أو الشروع في حياة جديدة ».

كما شدّد بوشركة على أنّ « الحرقة مرتبطة مباشرة بتراجع الاقتصاد وتدني القدرة الاشرائية، حيث أنّ المرأة أيضا تطالها هذه الأزمة وباتت هي الأخرى متخوّفة من تأزم الأوضاع مستقبلا ».

أمّا العامل السياسي، قال المختص في علم الاجتماع، إنّ « بعض الجزائريين والجزائريات اختاروا الحرقة وعيًا منهم بالمناخ السياسي الراهن، فكثير من ناشطات ونشطاء الحراك الشعبي غادروا البلد على خلفية القمع الحاصل »، مُردفا: « لحراك نجح في كبح الظاهرة خلال بداياته، الآن العكس بعد أن تراجع الأمل ».

أمّا العامل الأخير، يرى علي بوشركة أنّه راجع للانفتاح الإعلامي وبروز مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أنّ « ما تقدمه الميديا ملفت للانتباه عكس سنوات الثمانينات، فالمجتمع آنذاك لم يواجه نموذج حياة مغايرا، اليوم بفعل مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام هناك نموذج حياة مثالية بارز للمجتمع الجزائري ».

وأبرز بوشركة أنّ « الكثير يرغبون في الهجرة للحصول على نفس الفرص والمكتسبات التي لن يتمكّنوا من الوصول إليها بفعل الأزمة الاقتصادية والعقلية التقليدية المحافظة في الجزائر، التي تُعدّ حاجزا أمام أهدافهم، وعليه يفضلون رجالا ونساءً المخاطرة والعبور إلى الضفة الأخرى للبحث عن الحياة المثالية التي رسمتها في عقولهم مواقع التواصل الاجتماعي ».

حرقة « النساء تتزايد » مع غياب الدراسات والأرقام
تبقى « الحرقة » لدى النساء تتزايد حسب الإحصائيات التي تُقدّمها المنظمات غير الحكومية والجمعيات الدولية، إذ أغلب القوارب التي تصل إلى الضفة الأخرى يكون على متنها امرأة على الأقلّ.

كما لم تُقدّم السلطات إحصائيات وأرقام عن عدد النساء اللواتي اخترن هاته الطريق، ولم تشهد الجزائر دراسات رسمية حول أسباب الظاهرة على الرغم من تفاقمها خلال السنوات الأخيرة.