عاد الأكاديمي الجزائري والباحث في علم الاجتماع السياسي ناصر جابي، في مقال نُشر على موقع « القدس العربي » إلى ظروف اعتقال الصحفي إحسان القاضي وتشميع مقرّ راديو أم ومغريب إمرجنت، وما سبقهما من مواضيع طُرحت على الموقعين والبرامج السياسية التي أذيعت بها.
واعتبر ناصر جابي في المقال أنّ ما أخافه في قضية إحسان القاضي تلك الخشونة التي أبانت عن نفسها على مستوى شكل الاعتقال، مقابل نوع من الليونة بل «التسامح»، كما ظهر من خلال القبول بزيارة المحامين وأفراد من عائلته، وهو تحت النظر الذي دام خمسة أيام كاملة، كسابقة لم تعرفها الحالة الجزائرية على الأقل عندما يتعلق الأمر بإعلامي معروف.
ويرى الباحث في علم الإجتماع السياسي أنّ « التضارب في سلوك المؤسسات قد يكون وراءه صراع بين الأجهزة المكلفة بتسيير الملف، كما عودتنا عليه الحالة السياسية الجزائرية التي تظهر وكأنها لم تتعاف من حالة اضطرابها القديم، بكم التخبط السياسي الذي تعبر عنه في مثل هذه الحالات ».
واسترسل الأكاديمي الجزائري بالقول إنّ « إحسان قاضي الصحافي صاحب التجربة الإعلامية والعلاقات المهنية الواسعة، يكون قد أحال إليها في كتاباته الصحافية في المدة الأخيرة، وهو يتكلم عن الاستحقاقات الرئاسية المقبلة -2024- وموقف المؤسسات المركزية، بما فيها المؤسسة العسكرية منها، وهو يقترح في السياق نفسه، أن يتم تقديم مرشح للحراك يدخلها كطرف مستقل في مواجهة المرشح الرسمي، وعدم السقوط في فخ المقاطعة الانتخابية، كما كان سائدا لوقت قريب ».
وتابع جابي : « من دون أن ينسى التنبيه إلى صعوبات الذهاب بعيدا في تطبيق هذا الاقتراح الذي نظم حوله حصصا إعلامية مع ناشطين سياسيين، انطلقت بحصة أو حصتين قبل أن يتم توقيف راديو أم الذي كان يسيره ».
وأضاف في السياق: « لتُقبر الفكرة التي كان إحسان يريد أن يعود الحراك من خلالها إلى النشاط، بشكل قانوني وسياسي منظم، عبر منفذ الانتخابات الرئاسية المقبلة 2024 وتشريعيات 2026 التي كان يظن أن فرص الحراك فيها ستكون أكبر، كبداية مسار سياسي، مقارنة بالرئاسيات التي ستبقى مغلقة إلى مدى لا يعلمه إلا الله، من دون أن ينسى التذكير بعوائق الحالة السياسية التي تقف في وجه اقتراحه المتفائل هذا، الذي أراد من خلاله كسر المنطق السائد الذي ثبط عزائم الجزائريين، وأبعدهم عن العمل السياسي المنظم منذ عقود ».
وقال ناصر جابي إنّ « اعتقال إحسان وتشميع مقر المؤسسة الإعلامية التي يسيرها، الذي يؤكد العكس، أن السيناريو الأكثر تشاؤما هو الذي يسود الساحة السياسية الجزائرية هذه الأيام، التي لم تعد تقبل بالحد الأدنى من الحريات الإعلامية والسياسية على شاكلة ما كان متوفرا خلال فترة حكم الرئيس بوتفليقة، وحتى بعض مراحل الحزب الواحد ».
وأردف: « لنكون أمام نوع من الإصرار على تقديم صورة بشعة عن الجزائر للعالم الخارجي، في الوقت الذي يتم فيه الكلام رسميا عن عودة الجزائر إلى الساحة الدولية العربية والافريقية، اكيد انها لن تحتل فيها مكانتها المرجو بمثل هذا الممارسات التي عادت بقوة مع هذا الغلق السياسي والإعلامي المواكب لها ».
وتساءل ناصر جابي: « فلمصلحة من يتم هذا التشويه لصورة البلد؟ وما هي دوافعه »، مواصلًا: « أسئلة كثيرة يطرحها الجزائريون هذه الأيام بمناسبة عودة هذه الممارسات التي ظنوا انها قد ولت من دون رجعة، كان من بينها تلك العودة القوية الملاحظة للذباب الإلكتروني الذي تعودنا في الجزائر أن عودته عادة ما تكون للتغطية على ممارسات قمعية يفشل الإعلام الرسمي في الترويج لها، هو الفاقد للحد الأدنى من المصداقية، كما تظهره الحملة التي يشنها على الصحافي قاضي إحسان الذي لقت بالعكس قضيته تغطية إعلامية دولية كبيرة، ستزيد حتما في تشويه صورة الجزائر على المستوى الدولي. وهي تبرز الوجه القبيح الذي أراد لها البعض أن تظهر به والعالم يودع سنة ويستقبل أخرى ».