خلال زيارتين منفصلتين قبل أيام، أجرى وزير خارجية موريتانيا ثم رئيس برلمانها مباحثات مكثفة مع مسؤولين في الجارة الجزائر.
وتشهد العلاقات الجزائرية ـ الموريتانية، منذ أربع سنوات، زخما متصاعدا على وقع إطلاق مشاريع عديدة تضع الأساس لبنية تحتية مشتركة تمهد لاستثمارات تقود إلى تكامل اقتصادي.
ومن خلال كثافة الزيارات المتبادلة، والتقدم في تنفيذ خطط التبادل التجاري، برز محور الجزائر ـ نواكشط نموذجا مأمولا لتكامل اقتصادي في منطقة ما زالت تتطلع إلى استثمار فرص الشراكات الناجحة للتنمية، وتخطي مظاهر الفقر وآفات التهريب والجريمة المنظمة العابرة للحدود.
وارتبط البلدان منذ سنوات بخطوط تجارية بحرية وجوية وبنوك، ويستعدان لافتتاح أول معبرين بريين ثابتين، وإطلاق منطقة للتبادل التجاري الحر، وبناء طريق بري بطول نحو 800 كلم، إلى جانب تنفيذ مذكرات تفاهم في مجالات التعليم العالي والتدريب.
هذه المبادرات وضعت الجارتين على طريق تطوير شراكتهما إلى مستوى استراتيجي يلبي طموحاتهما، وكذلك رسم طريق تجاري دولي نحو دول منطقة غرب إفريقيا، وما يمثله من سوق واعدة تناهز 400 مليون نسمة.
علاقات اقتصادية وتجارية
على الصعيد الاقتصادي والتجاري، حرص رئيسا البلدين على تطوير العلاقات بين بلديهما ولطالما تمتعت علاقة الجزائر مع موريتانيا بمستوى ممتاز؛ باعتبارها دولة « شقيقة » و »جارة » تتقاسم معها حدودا تمتد نحو 450 كلم.
وتتمسك الجزائر بتطوير التعاون الاقتصادي مع موريتانيا، في سياق إصراره على زيادة صادرات الجزائر بعيدا عن المحروقات (الوقود)، وإيصال السلع الجزائرية إلى الأسواق الإفريقية.
ولم يستسلم البلدان لغياب البنى التحتية اللازمة، إذ تمكنا من رفع حجم التبادل التجاري بينهما حوالي 10 مرات في السنوات الأربع الأخيرة، إذ تكشف إحصائيات رسمية أن المبادلات سجلت 200 مليون دولار أواخر عام 2022، بعد أن كانت 24 مليون دولار فقط في 2019.
وخلال زيارته إلى الجزائر، في ديسمبر 2021، شاطر الرئيس الموريتاني نظيره الجزائري الإرادة ذاتها في إقامة روابط اقتصادية متقدمة.
وشهدت الزيارة توقيع اتفاقيات، أهمها بناء طريق بري يربط محافظة تندوف الجزائرية (أقصى جنوب غرب) بمدينة الزويرات الموريتانية بطول قرابة 800 كلم.
وأنهى البلدان الإجراءات القانونية والإدارية المتعلقة بمباشرة إنجاز الطريق، وصدر في الجريدة الرسمية الجزائرية منتصف فبراير 2023 الاتفاق التنفيذي بين حكومتي البلدين والمتعلق بالتسهيلات والإعفاءات الضرورية لإنجازه.
وبموجب مذكرة تفاهم، ستتكفل الجزائر بإنجاز الطريق عبر وكالتها للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، فيما يتولى الجانب الموريتاني تقديم التسهيلات الضرورية اللازمة وضمان الأمن لعمليات الإنشاء.
وللمضي قدما في دفع التجارة البينية برا، وجّه تبون الحكومة نهاية ديسمبر الماضي، إلى إعداد « دراسة معمقة » لإطلاق أول منطقة حرة مع موريتانيا في تندوف.
وأعلن الوزير الأول نذير العرباوي أن هذه المنطقة ستدخل حيز التنفيذ قبل نهاية النصف الأول من العام الجاري. كما سيدشن البلدان قريبا أول معبرين بريين ثابتين، تكفلت الجزائر ببنائهما بـ18 مليون دولار.
ربط غير مسبوق
وإلى حين استكمال البنية التحتية للتبادل التجاري برا، وجّه تبون أواخر 2021 إلى إطلاق خط بحري تجاري مع موريتانيا تقطعه السفينة في 6 أيام.
وهذه المبادرات غير مسبوقة في تاريخ الجزائر وموريتانيا، فلم يسبق أن ارتبطا يوما بطريق بري معبد أو معبر حدودي ثابت أو خط بحري مباشر.
وفي 20 سبتمبر 2023، افتتحت الجزائر أول بنك لها في إفريقيا بالعاصمة الموريتانية نواكشوط تحت اسم « بنك الاتحاد الجزائري »، ويتألف من تحالف أربعة بنوك حكومية جزائرية.
وبعد أربعة أشهر من افتتاحه، يستعد البنك لافتتاح فرعين في مدينتي نواذيبو العاصمة الاقتصادية لموريتانيا والزويرات (شمال)، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن المدير العام للبنك مراد عليان.
كما لم يسجل البلدان مثل الزخم الدبلوماسي الراهن بينهما، والذي تجلى في كثافة الزيارات المتبادلة بين الوزراء ورجال الأعمال، منذ زيارة الغزواني إلى الجزائر.
وفي 19 يناير الجاري، بدأ رئيس البرلمان الموريتاني محمد بمب مكت، زيارة إلى الجزائر استمرت أربعة أيام، بدعوة من رئيس البرلمان، إبراهيم بوغالي.
وقبلها بيومين، زار وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، الجزائر. واستقبل تبون كلا من مكت وولد مرزوك، وأكد خلال اللقاءين حرص الجزائر على تعزيز وتطوير التعاون مع موريتانيا.
وتعتبر الحدود الجزائرية الموريتانية الأكثر هدوءا واستقرارا مقارنة بحدود الجزائر مع كل من النيجر ومالي وليبيا؛ حيث تشهد هذه الدول توترات أمنية ونزاعات سياسية؛ ما يعقد مسألة العبور نحو دول إفريقيا جنوب الصحراء من تلك الدول.