مع اقتراب الذكرى الثانية للحراك الشعبي المصادف لـ 22 فبراير، تدخل الجزائر أسبوعاً حاسماً، إذ تَجد السلطة التي شرعت في مشاورات سياسية حول مستقبل الحكومة وحل البرلمان في مواجهة دعوات وحملات التعبئة للخروج إلى الشارع بعد 11 شهراً من توقف المسيرات الشعبية بسبب فيروس كورونا.
وبمجرد عودته من رحلة علاج ثانية من مضاعفات فيروس (كوفيد 19) المستجد، دامت شهراً في ألمانيا، عقد عبد المجيد تبون عدة لقاءات مع أحزاب سياسية، استثنت أحزاب الموالاة التي رفضها الشارع ودعا إلى حلها باعتبارها تُشكل جزء منظومة حكم بوتفليقة، وكانت سبباً في الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد.
وإلى حد الساعة، لم ترسل الرئاسة دعوات لجبهة التحرير الوطني (الأفلان) والتجمع الوطني الديمقراطي (الأرندي)، اللذين يشكلان الأغلبية بكافة المجالس المنتخبة وطنياً ومحلياً، كما لم ُتوجه الدعوة إلى تجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية، لحضور جلسات النقاش المقامة في المرادية، وفق مصادر مطلعة من داخل بيوت هاته الأحزاب.
ويُرتقب أن يتوجّه عبد المجيد تبون بخطاب إلى الجزائريين بمناسبة عيد الشهيد المصادف لـ 18 فيفري، ومن ورائه الإعلان عن الإجراءات التي ينوي اتخاذها، على غرار حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وفق ما تسرب على لسان رؤساء الأحزاب، أبرزهم رئيس جبهة المستقبل، عبد العزيز بلعيد.
وتعدّدت القراءات للقاءات التي باشرتها تبون بقصر المرادية، والتي يأتي من ضمنها مُحاولة بعث رسالة تطمينة حول وضعه الصحي وبأنه عاد ليُزاول نشاطه الرئاسي بشكل عادي وقد تجاوز الوعكة الصحية التي ألمت به.
على الجهة المقابلة، يربط مراقبون للشأن السياسي هذه « الجلسات »، برغبة السلطة في احتواء غضب الشارع العائد إلى حياته الطبيعية بعد قرابة عام من الحجر الصحي الذي أوقف كل نشاطاته، بما فيها مسيرات الحراك، لكنها عادت أمس الثلاثاء 16 فيفري عندما شهدت مدينة خراطة بولاية بجاية شرق الجزائر، مسيرة عرفت مشاركة قوية، رُفعت خلالها شعارات تطالب بتغيير جذري للنظام، وبتكريس الحقوق والحريات.
وتُعتبر خراطة التي تقع على بعد 300 كيلومتر شرق الجزائر العاصمة، مهد الحراك. وفي 16 فيفري 2019، تجمع فيها بشكل عفوي آلاف الجزائريين المعارضين لعهدة رئاسية خامسة لبوتفليقة. وبعد أسبوع من ذلك، أي في 22 فيفري امتدت الاحتجاجات إلى الجزائر العاصمة ووصلت إلى بقية أنحاء البلاد، ما أدى إلى اندلاع حركة شعبية غير مسبوقة تطالب بـ « رحيل النظام » القائم منذ استقلال الجزائر.
لكن هل الرسائل التي تريد السلطة ارسالها عشية الذكرى الثانية للحراك، كافية بإعادة بعث الثقة المبتورة بين السلطة والشارع، قد يكون هذا أبرز سؤال يتم طرحه في الظرف الراهن، على اعتبار أن النظام السياسي يرفض إجراء التغييرات السياسية المنهجية التي طالب بها الجزائريون، مثل تعزيز الشفافية في صناعة القرارات وفي الحوكمة، وكذلك الاستجابة لدعوات التهدئة التي يأتي على رأسها إطلاق سراح معتقلي الرأي، بالإضافة إلى رفع التضييق عن المجالين السياسي والإعلامي.
وبحسب تصريحات قانونيين وحقوقيين فإن السلطة بالغت بشكل كبير في إحكام قبضتها خلال فترة تفشي فيروس كورونا، إذ استغلت الظرف الصحي للتضيق على الحريات والحقوق من خلال توظيف الآلة الأمنية والقضاء عبر تنفيذ سلسلة اعتقالات طالت شباب ونشطاء بسبب مناشير على مواقع التواصل الاجتماعي، وصدرت في حقهم أحكام بالسجن.
وفي غياب الإجراءات العملية من الصعب الحكم حالياً، إن ما كانت السلطة تسعى إلى مراجعة خياراتها السياسية السابقة المتسمة بالهروب إلى الأمام، سيما وأن المتغير الاقتصادي بات عامل مهم جدا، في ظل تراجع التوازنات المالية للبلاد أم أنها تسعى لربح المزيد من الوقت؟.
ولعل السؤال الآخر المطروح، هل المشاورات التي باشرتها السلطة تندرج ضمن تقاسم الأعباء أم تتجه نحو توريط الطبقة السياسية ومحاولة جرها من الحراك بحكم أن عدد من مناضليها شاركوا في مسيرات الحراك قبل تعليقها في مارس من العام الماضي، لتبقى المواجهة محصورة بين الأشخاص غير المتحزبين أو الذين لم يقتنعوا بفكرة الحوار مع السلطة كطريق لإيجاد حل للمأزق الذي نعيشه.
مع العلم أن الداعمين لفكرة استئناف الحراك في نسخته الثانية يعتقدون أنّ الأسباب التي دفعت الشعب للانتفاضة في فبراير 2019 ما زالت قائمة، والمطالب الديمقراطية لم تتحقق، في ظل انهيار الوضع الاجتماعي والاقتصادي بشكل خطير وسريع.