تحّصدُ حكومة عبد العزيز جراد، المزيد من الانتقادات، ولا تتوقف الدعوات المُطالبة بتعديل حكومي بسبب ما يَعتبره جزائريون وسياسيون « فشلاً ذريعاً » في التسيير وحل المُشكلات الاجتماعية المتصاعدة.
وبعد وزراء التجارة، الصناعة، الشباب والرياضة، وآخرين، طالت مَطالب الإقالة هذه المرة وزير العدل بلقاسم زغماتي، على خلفية حَملة الاعتقالات ضد نُشطاء سياسيين وشباب من الحراك، عبّروا عن آرائهم من طريقة تسيير البلد فوجدوا أنفسهم في السجن بأحكام يَصِفُها محامون بـ « القاسية »، بينما يتضح أثناء المُحاكمة أنّ « ملفاتهم فارغة ».
وكانت التصريحات « الصادمة » التي أدلى بها الطالب الجامعي وليد نقيش (24 سنة)، النُقطة التي أفاضت الكأس، لِما شكّلته من صَدمة لدى الرأي العام، عَقِب حديثه عن تعرضه للتعذيب والاعتداء الجنسي أثناء التحقيق معه. كما أثارت قضية نقيش الغرابة، بتحول الحُكم في ظرف يوم واحد من التماس المُؤبد إلى الإفراج عَنه بإصدار عُقوبة سنة حَبساً مِنها 6 أشهر نَافذة، وتَبرئته من التُهم التي طالته بأنّه « عمل سريّ وانفصالي ».
وضِمن رُدود الفعل، دَعت زوبيدة عسول رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، إلى إقالة أو استقالة وزير العدل بلقاسم زغماتي، بصفته المسؤول السياسي على القضاء. مُنتقدة في منشور على حسابها الرسمي « فايسبوك » عدم اتخاذه أي إجراء لإثبات سيادة القانون في وقائع خطيرة وصلت بصفة رسمية إلى عِلم النائب العام ولم يُحرك ساكناً بشأنها، وذلك في تعقيبها على قضية الطالب وليد نقيش.
وأوضحت المحامية عسول والتي تأسّست للدفاع عن عدة معتقلين أنه « إذا كان مرتكب الجريمة يمثل سلطة قانونية فذلك يعد ظرفا مشددًا لأنه استغل صفته للاعتداء على مواطن بدل حماية حقوقه الإنسانية المتمثلة في سلامته الجسدية والمعنوية وصون شرفه ».
وأبرزت أنه من « من واجب وكيل الجمهورية لدى محكمة الدار البيضاء أن يأمر بتحريك الدعوى العمومية للتحقيق في الوقائع التي صرح بها وليد نقيش أمام محكمة الجنايات »، مشيرة إلى أن « سيادة القانون تعرض كل من ارتكب جرم مهما كانت صفته وموقعه للعقاب ».
على الجهة المقابلة، رفعت هيئة دفاع الناشط السياسي رشيد نكاز شكوى ضد وزير العدل بلقاسم زغماتي لدى المحكمة العليا، على خلفية متابعته التي وَصفُوها بـ « الباطلة »، كَــــونها تَمت بتاريخ 4 ديسمبر 2019، من طرف نيابة محكمة الدار البيضاء، في حين وزير العدل آنذاك كَان في حَالة قُبول مَنصب دون وَجّه حق بعد تعيينه من طرف رئيس الدولة السابق عبد القادر بن صالح دون أن يخوّله الدستور ذلك. واعتبرت هيئة دفاع نكاز أن شرعية منصب زغماتي انطلقت بداية من تعيينه من طرف رئيس الجمهورية الحالي ضمن حكومة جراد مطلع العام الماضي.
وتقلّد بلقاسم زغماتي منصب وزير للعدل، في 31 جويلية 2019، في حكومة نور الدين بدوي آنذاك، وجرى تعيينه من طرف رئيس الدولة المؤقت حينها عبد القادر بن صالح خلفاً لسليمان براهمي، ووُصِفَ هذا التعيين بغير الدستوري، لأن المادة 104 تحّظر على رئيس الدولة إجراء تعديل حكومي. واحتفظ زغماتي بمنصبه بعد قدوم الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم وتعينه لحكومته الأولى التي يقُودها عبد العزيز جراد.
ويتذكّر جزائريون، اللقاء الذي جمَع وزير العدل، بلقاسم زغماتي، مع الفريق الراحل رئيس أركان الجيش، أحمد قايد صالح، في نوفمبر 2019، بمناسبة احتفال رسمي بذكرى الـ 56 للثورة التحريرية، خَاطبه فيها قائلاً « واصل إلى النهاية »، ما أثار جدلاً واسعاً على شبكات التواصل الاجتماعي، بشأن ما كان يَعنيه قايد صالح بكلامه.
وفي حوار جَمعه مع جريدة « الخبر »، شَهر جانفي 2020، علق رئيس نقابة القضاة، يسعد مبروك على عبارة « يجب الذهاب إلى النهاية »، من خلال التذكير بالتحذيرات التي أطلقتها النقابة من « عواقب العدالة الانتقائية أو الانتقامية، واستخدام القضاء في معركة كسر العظام بين العصب المتصارعة »، مشيرا إلى أن ذلك « يسيء إلى العدالة ويشوّه سمعة البلاد ».
وأضاف يسعد مبروك في السياق بتساؤل آخر ما هي النهاية التي نحن بصدد الذهاب إليها؟ ليستدرك قائلاً « في مجتمع مترهل مؤسساتيا وبائس اقتصاديا وسياسيا ومنافق قيميا، تصبح الحلول الظرفية سببا في تأزيم الوضع بدلا من حلحلته. ولأجل الخروج من عنق الزجاجة، يجب على الجزائريين البحث عن حل يناسب إمكانياتهم ينسجم مع توجهات الأغلبية دون إقصاء ».
وفي وقت تتعالى الأصوات إلى حاجة الجزائر لتحرير القضاء من « التجاذبات » و »التوظيف السياسي » ليكُون سُلطة قائمة بذَاتها، لا يَزال هذا السلك يُواجه تحديات كبيرة وبحاجة إلى نضالات طويلة، وفق حقوقيين، لاسيما فيما يتعلق باستقلال القضاة وحصول المواطنين على العدالة وفاعلية النظم القضائية في مُحاربة مختلف الآفات الإجرامية وتفشي الفساد.