خالد درارني، عمار بلحيمر، فرنسا وپيتزا ماكاين - Radio M

Radio M

خالد درارني، عمار بلحيمر، فرنسا وپيتزا ماكاين

Radio M | 19/08/20 18:08

خالد درارني، عمار بلحيمر، فرنسا وپيتزا ماكاين

تذكرة سفر خالد درارني

للمجتمعات المدنية في البلدان الديمقراطية وزنُها وتأثيرُها على الخيارات التي تتخذُها الحكوماتُ، وحقوقُها فيها كاملةٌ غيرُ منقوصةٍ، كما أنها تستفيد من الدعم المالي العمومي ولا تُحرم منه ولو اتخذت مواقفَ انتقاديةً راديكالية إزاء تلك الحكومات. وبصفتها هذه – ومثلما تقوم بذلك على المستوى الوطني – يُمكن للمجتمعات المدنية دون أيّ تنازل منها عن استقلالها أن تطلب الاستفادةَ من الموارد المتوفرة لدى سفارات بلدانها، وهي مواردُ قسمٌ منها مخصص لمثل هذه الشؤون.

وقد انتهجت الجامعاتُ الغربية، ومنها الجامعاتُ الفرنسية، هذا السبيلَ لدعوة مئات الجامعيين الجزائريين متحملةً مصاريف سفرهم وهي مصاريف لم تكن جامعاتُهم تستطيع تحملَّها لأحد السببين : إما لدواع متعلقةٍ بمحسوبية سياسية وعشائرية، أو لما هي عليه من تهميشٍ تسبّب فيه أولئك الذين كانوا يهربون ملايير الدولارات إلى الخارج وهم يلقون على مسامع الجزائريين خطبا وطنية عصماءَ.

وبفضل انتهاج هذا السبيل، أُتيح لمئات الجامعيين الجزائريين أن يُسايروا الإنتاج العلمي العالمي وأن يُشاركوا في نقاشاته وأن يُفلتوا من قبضة الانغلاق العلمي المفروض عليهم من طرف سلطة لم يتورع أحد وزرائها عن القول إن الجامعة الجزائرية ليست بحاجة لا إلى جائزة نوبل ولا حتى لأن يأتي ذكرُها في ترتيب الجامعات العالمي.

وقد « اقترفت » شخصيا « جرم » دعوة العديد من الزملاء المغاربيين والأوروبيين إلى ملتقيات وندوات نظمتُها في فرنسا وأوروبا أو في بلدان المغرب، واستعنت في تنظيمها – وهو أمر مشروع كل المشروعية – بدعم السفارات الفرنسية والأوروبية، الألمانية منها والإيطالية على وجه الخصوص. وقد سلكتُ هذا السبيلَ بكل استقلال، دون أن أَدين بشيء لأية جهة كانت، مع أن محتوى أشغال هذه الأنشطة كان، في كثير من الأحيان بالغَ الانتقاد للسياسة الرسمية الفرنسية والأوروبية، وهو ما يستنتجه من يقرأون لي، بمن فيهم متابعو منشوراتي على الفايس بوك. ولا أرى في ذلك أيّةَ جدارةٍ شخصية، فلا يعدو الأمرُ أنّي استفدت من استقلال الجامعات الأوروبية عن السلطة السياسية الذي بُني منذ قرون فأصبح عماد نهضة أوروبا العلمية وازدهارِها. وينتهج الفنانون الأوروبيون نفسَ السبيل لدعوة زملائهم الجزائريين، مَثَلهم في ذلك مَثَل منظمة SOS racisme حين دعت خالد درارني إلى فرنسا.

تذاكر سفر السيد عمار بلحيمر و »مذكراته الأمنية »

قبل أن يصبحَ وزيرا بمدة طويلة، استفاد السيد عمار بلحيمر هو نفسه من ذاتِ هذه الإمكانية مرات عديدة، بل وأكثر من أي أحد غيره. استفاد من أربع تذاكر سفر على أقلِّ تقدير دفعت مصاريفها له سفارة فرنسا في المغرب، وربما استفاد من أخرى أيضا، ناهيك عن تذاكرٍ سفر دفعتها له سفارةُ فرنسا بالجزائر. أعلم ذلك علمَ اليقين لأنني حينها، بوصفي باحثا منتدبا من الهيئة الوطنية الفرنسية للبحث العلمي، كنت أعمل بمركز جاك بيرك بالرباط الذي مكنه من هذه التذاكر، وكلُّها موثقة. وأنا لا أنحي عليه باللائمة بسبب ذلك لكن : لماذا تُحوِّل تذكرةُ سفرٍ خالد درارني إلى جاسوسٍ عميلٍ لفرنسا بينما تحوِّل حوالي عشر تذاكر أتاحتها له سفارات فرنسا السيد بلحيمر إلى وطنيّ لا يشغله شاغل سوى المصلحة الوطنية الجزائرية؟ وبعبارة أخرى : هل ما هو حلالٌ له على غيره حرامٌ ؟

كذلك، لن ألومه على كونه، قبل أن يخطر بباله أنه سيصبح وزيرا بمدة طويلة، نسج علاقاتٍ مع مؤسسات عسكرية فرنسية وتعاونَ معها وأنتج لصالحها مذكراتٍ إستراتيجيةً. بالعكس، فقضايا الحرب والسلام أكثرُ جديةً من أن تُترك للعسكريين والدبلوماسيين دون غيرهم. في أوروبا، وبطلب من المجتمعات، انفتحت المؤسساتُ العسكرية للنقاش مع الجامعيين الذين يؤمن كثيرٌ منهم، وهم في ذلك على حق، بجدوى الحوارِ مع العسكريين حول رهانات النزاعات الجارية. ومهمٌّ حقا أن يشارك في هذه النقاشات جامعيون من الجنوب الذي تدفع بلدانه أكثرَ من غيرها فاتورة النزاعات في العالم. لن ألوم السيد بلحيمر على أنه أعدَّ مذكرات إستراتيجية عن الجزائر بطلب من مؤسساتٍ مرتبطة بوزارة الدفاع الفرنسية، فلا أظن أنه هدّد بذلك مصالح الجزائر، لكن لماذا تشكل علاقات خالد درارني بـ SOS racisme وRSF تهديدا للأمن القومي الجزائري؟

لقد تلقيت تلك المذكرات الإستراتيجية كغيري من الزملاء مختصي المنطقة المغاربية والعالم العربي، وربّما تلقيتها بسبب اهتمام السيد بلحيمر آنذاك بأن يبرز على الساحة، فصحيحٌ أنه كان يطرق أبواب مؤسسات فرنسية مستعملا شتى الوسائل دون استثناء.

كنتُ أفضِّل أن أجنِّبَ نفسي عناءَ تذكير السيد بلحيمر بهذه الوقائع التي يتوجب عليه أن يشرحها للرأي العام الجزائري، لكن المضايقات الجبانة الدنيئة التي تمارسها وزارتُه ضد خالد درارني مثيرةٌ حقا للسخط. مثيرةٌ للسخط أيضا محاولاتُ نُخب السلطة الجزائرية المتجددةُ لأن تزرع « مركّب نقص المستعمَر » (complexe du colonisé) الذي تعانيه في أذهان شبيبة تجاوزته وإن كانت لا تجهل عنه شيئا. مثيرٌ للسخط أخيرا موقفُ أعضاء هذه النخب المنافقُ إذ ينبحون في وجه فرنسا وفي الوقت نفسه يحرّكون ذيلَهم فرحا وهم يُغدقون على أنفسهم وعلى أقاربهم مزايا الحداثة الفرنسية. هذا الموقف ذو الوجهين يلخصه أبلغَ تلخيص إعلانٌ قديمٌ لپيتزا ماك كاين :  » أكبر عشاقها هم أقل الناس حديثا عنها »، أو المثل الجزائري : يأكل الغلّة ويسبّ الملّة ».

عارٌ عليكم.

أنا خالد درارني.

علي بن سعد

ترجمة فريق راديو أم مع موافقة الكاتب

:رابط النص الأصلي

https://www.facebook.com/ali.bensaad.58/posts/2685276268240858