عبد الله هبول، قاضي سابق ومحامي. لا يخفي في حواره هذا مع « راديو أم » قلقه إتجاه الخروقات الكثيرة التي يعيشها القضاء في بلادنا. كما يرى الأستاذ هبول السلطة « قد وضعت نفسها في ورطة قانونية وسياسية » جراء ذهابها بعيدا في التوجه القمعي
تفتتح السنة القضائية 2022- 2023،غدا وسط إستمرار الجدل حول دور القضاء وإستقلاليته. ما تقييمكم لوضع القضاء بالمناسبة؟
إفتتاح السنة القضائية هو تقليد إختفى في عهد بوتفليقة وعاد مع تبون لأنها وردت في القانون العضوي للتنظيم القضائي وحددت فترتها بشهرين بعد انتهاء العطلة القضائية. وتنتهي هذه العطلة في ال15 من سبتمبر من كل سنة وبالتالي تبون مطالب بإفتتاح السنة القضائية يوم 15 نوفمبر على أقصى تقدير
وستفتتح هذه السنة أولان على وقع أزمة إنتخابات المجلس الأعلى للقضاء، جرت هذه الانتخابات وفق التشكيلة الدستورية الجديدة حيث أقصي وزير العدل من العضوية. لكن الوزير عبد الرشيد طبي شارك في إنتخاب ممثلي المحكمة العليا في المجلس، وبالتالي هي واقعة تاريخية. كما تمت الانتخابات في غياب القانون العضوي للمجلس الأعلى للقضاء، ما أدى إلى الطعن فيها وهناك دعوى قضائية سارية لم يفصل فيها بعد.
هناك أيضا عملية إنهاء مهام رئيس مجلس الدولة التي طرحت عدة تساؤلات، وإستقالة رئيس نقابة القضاة دون أي مقدمات
لم ترجعون إستقالة رئيس نقابة القضاة يسعد مبروك؟
أنا أشبه نقابة القضاة بحزب جبهة التحرير الوطني، حيث الأمين العام ومناضلي الحزب وإطاراته لا يملكون سلطة إنتخاب أو إقالة أمينهم العام. الأفلان ونقابة القضاة وجهان لعملة واحدة، و إستقالة يسعد مبروك مثيرة للاستفهامات.
ويبقى أبرز حدث في القضاء، هو عدم ترؤس تبون المجلس الأعلى للقضاء رغم أن هذا المجلس أصدر بيانات وبالتالي إجتمع وأجرى حركة في سلك القضاة وأصدر قرارات تأديبية… والمحير أكثر أن المجلس يبقى دون مقر خاص به وممثلي نقابة القضاة تم تعيينهم من قبل الرئيس المستقيل، بدل انتخابهم كما ينص عليه القانون
إذن هناك خروقات بالجملة وتجاوزات لصلاحيات المجلس الأعلى للقضاء وللدستور ولاستقلالية القضاء
مؤخرا تم توسيع توسيع صلاحيات قطب مكافحة الارهاب وأحيلت القضايا المتعلقة بمكافحة المضاربة غير المشروعة إليه. ما تعليقكم على هذا القرار؟
تصريح وزير العدل في هذا المجال خطير. القطب المتخصص في مكافحة الارهاب أنشئ في أوت من عام 2020، وعلى خلفية المادة 87 مكرر التي صدرت في جوان 2021 وسعت صلاحيات القطب المتخصص لينظر في قضايا الرأي أو الحراك الشعبي
لكن قانون مكافحة المضاربة غير المشروعة الصادر في ديسمبر 2021 يعتبر سابقة خطيرة، لأنها المرة الأولى في تاريخ التشريع الجزائري التي يتم فيها سن قانون بناء على تصريح تبون في ندوة صحفية. ولأول مرة يتم سن قانون مستقل ويتم تصنيف المضاربة في وقت الأزمات الصحية أو تفشي وباء أو وقوع كارثة، كجناية وشدد العقوبة إلى 30 سنة في مادته ال14 والمؤبد في مادته ال15، بينما قانون العقوبات صنف المضاربة كجنحة منذ 1966 في مادته 172 وأقصى عقوبة فيها هي خمس سنوات. فهل يعقل أن ترفع العقوبة إلى 30 سنة والمؤبد بعد 60 سنة من الاستقلال؟ وهل يمكن أن تسوى المضاربة بجريمة القتل العمدي؟
لقد عرفت الجزائر ندرة المواد الغذائية في فترات أصعب ولم تفكر السلطة السياسية أبدا بالذهاب إلى هذا المستوى من القمع. هذه الوضعية دليل على فشل السياسات الاقتصادية وليس أكثر، وتحولنا من تسيير الأزمة السياسية أمنيا إلى تسيير الأزمة الاقتصادية أمنيا. وأقول هنا أن إستعمال القضاء للتغطية على فشل السياسة الاقتصادية لن يؤدي إلى أي نتيجة.
هناك حلول إقتصادية للمشاكل الاقتصادية ولا يمكن للقضاء أن يحل محل قانون العرض والطلب ويوفر السلع والخدمات. دور القضاء هو ضمان الحقوق والحريات وهناك مبدأ « العقوبة الضرورية والمناسبة ». هل عقوبة المؤبد مناسبة وضرورية في المضاربة؟ قطعا لا، بل اللا تناسب مطلق في هذه الحالة. أين إستقلال القضاء؟ أين صلاحيات المشرع في تحديد اختصاص الجهات القضائية؟
الدستور في مادته ال 139 يقول أن تحديد إختصاص الجهات القضائية من صلاحيات المشرع ولا يمكن أن يحدث ذلك بتصريح من عضو في الحكومة. الوزير هنا خرق الدستور والقانون والمجلس الأعلى للقضاء، وكأن به يقول لنا « أنا القانون ». وأتساءل أين رد فعل النخب القانونية والأحزاب والبرلمان. التبعات القانونية لهذا القرار بالغة الخطورة سواء على صعيد دولة القانون أو المساس بالحقوق والحريات ومساواة المواطنين أمام القضاء
مصالح الدرك الوطني كشفت عن إيداع أزيد من 1100 شخص الحبس المؤقت خلال السنة الجارية بتهم المضاربة. هل يدل هذا على سهر مصالح الأمن والقضاء على تطبيق القانون أم ماذا؟
الحصيلة المعلنة عن قمع المضاربة هو إعلان فشل كبير للسياسة الاقتصادية. حتى الصحفيين تم سجنهم تحت شعار قمع المضاربة، زيادة على سجن الصحفيين مع معتقلي الرأي. كل هؤلاء وزير العدل مسؤول عليهم، وأتساءل لماذا تحدث تبون عن كل المجالس إلا المجلس الأعلى للقضاء. للأسف دولة القانون مازالت بعيدة المنال
السلطة وعدت بإجراءات لإنهاء ملف معتقلي الرأي. هل تراجعت عن إطلاق سراحهم، أم هناك إختلاف في فهم تلك الاجراءات بين السلطة وبين الحقوقيين وعائلات هؤلاء المعتقلين المتابعين لهذا الملف بشكل عام؟
أعتقد هناك تذبذب في التعاطي مع ملف معتقلي الرأي. السلطة سارت في الاتجاه القمعي إلى أبعد الحدود، وهذا أيضا خطير، والسلطة الآن في ورطة أمام المادة 87 مكرر. هي في ورطة سياسية وقانونية
هناك نضال متواصل والحراك موجود، حتى إذا كان الآن في حالة سبات. لكنه سيبقى هو الحل الذي سينقل الجزائر إلى تحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي